بين سطور المؤرخين اختبأت الحقائق التي لا زال صناع الطغاة يحاولون اخفائها او تلميعها إِنْ أُعلنتْ للملأ لانه لا يمكنهم انكارها، ولهذا لجأت الكعبة المشرفة الى الى التاريخ لمحاكمة يزيد بن معاوية حسب نقولات المؤرخين عن جريمته البشعة في إحراقها وضربها بالمنجنيق ودفع تبريرات اتباعه الواهية وبيان جرمه ومحاكمته في الدنيا قبل الاخرة.
تقدمت الكعبة الى التاريخ ببيان مظلوميتها بأدلة دامغة بأقلام المؤرخين عبر العصور في توثيقهم لاحداث الزمان واحوال ملوكه واهله فطلبت حضورهم كشهود على صحة دعواها.
اول شاهد قدمته الكعبة المشرفة كان المسعودي الذي نقل لنا ما ورد في تاريخه :"وليزيد وغيره من بني أمية أخبار عجيبة ومثالب كثيرة: من شرب الخمور، وقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ولعن الوصي، وهدم البيت واحراقه وسفك الدماء المحقونة، والفسق والفجور، وغير ذلك مما قد ورد فيه الوعيد باليأس من غفرانه، كوروده فيمن جحد توحيده وخالف رسله."(١)
كما شهد ايضا:"فتواردت أحجار المجانيق والعرادات على البيت، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشتاقات الكتان وغير ذلك من المحرقات، وانهدمت الكعبة، واحترقت البنية"(٢)
اما الشاهد الثاني فكان اليعقوبي وقدم الوثيقة التاريخية التي ذكرها في تاريخه: "رمى حصين بن نمير بالنيران حتى أحرق الكعبة، وكان عبيد الله بن عمير الليثي قاض ابن الزبير إذا تواقف الفريقان قام على الكعبة فنادى بأعلى صوته يا أهل الشام هذا حرم الله الذي كان مأمننا في الجاهلية يأمن فيه الطير والصيد، فاتقوا الله يا أهل الشام، فيصيح الشاميون: الطاعة الطاعة، الكر الكر، الرواح قبل المساء، فلم يزل على ذلك حتى احترقت الكعبة فقال أصحاب ابن الزبير:
نطفئ النار. فمنعهم وأراد أن يغضب الناس للكعبة. فقال بعض أهل الشام إن الحرمة والطاعة اجتمعتا فغلبت الطاعة الحرمة!!"(٣)
واما شاهد الكعبة الثالث فكان الطبري الذي نقل لنا: "أقاموا عليه يقاتلونه بقية المحرم وصفر كله حتى إذا مضت ثلاثة أيام من شهر ربيع الأول يوم السبت سنة ٦٤ ه قذفوا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار وأخذوا يرتجزون ويقولون:
خطارة مثل الفنيق المزبد *
نرمي بها أعواد هذا المسجد
ويقول راجزهم:
كيف ترى صنيع أم فروة *
تأخذهم بين الصفا والمروة
يعني ب " أم فروة " المنجنيق.")(٤)
كما شهد ابن الاثير وابن كثير بنفس ما تقدم به المؤرخون قبلهم (٥)
كما سألت الكعبة التاريخ ان يحكم بالعدل ويؤكد جرم يزيد في هتك حرمتها واحراقها وضربها بالمنجنيق فمن تجرأ على قتل ريحانة رسول الله سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين ع واستباح مدينة رسول الله وهتك عرض المسلمات فيها ثلاثا في واقعة الحرة لا يتورع عن هتك حرمتها ايضا مهما حاول بعض اتباع يزيد من عبيد السلطة وصناع الطغاة عبر التاريخ ان يبرروا ليزيد فعلته بمسوغات واهية فإنه آثم ومذنب ويتحمل المسؤولية كاملة ولو لم تكن الا نائبة من النوائب الثلاث المار ذكرها اعلاه لكفاه خزيا وعارا وان حمّلوا المسؤولية للحصين بن نمير قائد جيش الشام وبرروا ليزيد استخدام العنف والقسوة مع الرعية تماما كما حدث مع التبريرات الواهية لواقعة الحرة وقتل سبط رسول الله.
وبلحاظ الشهود وادلتهم الدامغة حكم التاريخ بإدانة يزيد في هتك حرمة الكعبة واحراقها وضربها بالمنجنيق ومن يتجرأ على رفض حكم تاريخي اثبتته اقلام المؤرخين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم فقد رفض الحق وسلك طريق الباطل، المعادلة واضحة والمعالم واضحة ومن يعاند ويبرر ويرفض فهو شريك ليزيد في فعلته ف- "اَلرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ وَ عَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ إِثْمُ اَلْعَمَلِ بِهِ وَ إِثْمُ اَلرِّضَا اَلرِّضَى بِهِ لا فرق بين الرضا بالفعل و بين المشاركة فيه" (٦)
الهوامش:
(١) اختيار معرفة الرجال، الطوسي، ج١، ص ٢٥٨ نقلا عن مروج الذهب للمسعودي ٣ / ٦٧- ٧٢.
(٢) مروج الذهب، المسعودي،
ص ٣٧٨-٣٧٩.
(٣)معالم المدرستين، مرتضى العسكري،ج٣، ص ١٩٣ نقلا عن تاريخ اليعقوبي ٢/ ٢٥١ - ٢٥٢.
(٤)المصدر السابق، ص١٩٤ نقلا عن
تاريخ الطبري ٧/ ١٤ - ١٥.
(٥)راجع ابن الأثير ٤ / ٤٩، وابن كثير ٨ /٢٢٥.
(٦) نهج البلاغة،الحكمة ١٥٤، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ١٨/ ٣٦٣.