بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
قَالَ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في خطبَةٍ بَعدَ أنْ حمَدَ اللهَ وأثنى علَيْهِ وتَشَهَدَ بالشهَادتينِ وعرَّجَ بِذكرِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): ( الْحَمْدُ للهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِيهمْ بِالْجُودِ يَدَهُ، نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَإِلهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً، وَبِذِكْرِهِ نَاطِقاً، فَأَدَّى أَمِيناً، وَمَضَى رَشِيداً، وَخَلَّفَ فِينَا رايَةَ الْحَقِّ )، نهج البلاغة ، الخطبة 99.
فَأَدَّى أَمِيناً، وَمَضَى رَشِيداً :-
هذا المفهوم الأخلاقي يعد ركيزة مهمة من ركائز المجتمع الإسلامي الإنساني، والمتتبع لأحاديث أهل البيت (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) بهذا الخصوص، وهم القرآن الناطق، يرى الكم الهائل من الأحاديث التي أكدت على وجوب التزام الإنسان بالأمانة إلى الحد الذي جعلت عدم العمل بها خروجاً من الدين لأن الآثار الإيجابية التي يتركها العمل بها تعم على المجتمع بالأخلاق وتبذر في الإنسان الفضيلة والحق والخير وكل مبادئ الإسلام الحنيف أما آثار تركها فتؤدي إلى عواقب وخيمة على الإنسان والمجتمع فيعم الحرام والمنكرات والرذيلة والفساد
وقد حث القرآن الكريم على العمل بهذه الفضيلة قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾، سُورَةُ الأنفال – الآية 27.
وقوله تعالى: ﴿ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ – الآية 283.
وقد جعل القرآن الكريم الأمانة صفة مهمة وأساسية للمؤمن فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾، سُورَةُ المؤمنونَ – الآية 8.
والأمانة من صفات الأنبياء بل من شرائط النبوة فقد جاء في أصول الكافي (ج2ص104) عن الإمام الصادق (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أنّه قال: (إنّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَم يَبعَث نَبِيّاً إلاّ بِصِدقِ الحِدِيثِ وَأَداءِ الأَمانَةِ إِلىَ البِرِّ وَالفاجِرِ)
ويؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة فقد وردت صفة الأمانة على ألسن الأنبياء وهم يدعون قومهم إلى عبادة الله تعالى، وهي مقرونة بالدعوة إلى الله فقال تعالى على لسان أنبيائه نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) وهم يبلغون رسالات ربهم لقومهم قولهم: (إني لكم رسول أمين)، كما كانت هذه الصفة العظيمة مما اشتهر بها نبينا الكريم محمد (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتى قبل أن يبعث بالنبوة فكان معروفاً في مجتمع قريش بـ (الصادق الأمين)
فهي المحك الذي به يعرف المؤمن من المنافق وبها يعرف الإنسان على حقيقته، فمن عمل بها عمل بروح الدين ومن تركها انسلخ منه الدين، كما يدلنا حديث رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) على ذلك ويوضح فيه إن المؤمنين حقاً هم تحلّوا بهذه الصفة، فقد ورد عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْهَمَذَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ اَلْجَوَادِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: ( لاَ تَنْظُرُوا إِلَى كَثْرَةِ صَلاَتِهِمْ وَ صَوْمِهِمْ وَ كَثْرَةِ اَلْحَجِّ وَ اَلْمَعْرُوفِ وَ طَنْطَنَتِهِمْ بِاللَّيْلِ اُنْظُرُوا إِلَى صِدْقِ اَلْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ اَلْأَمَانَةِ )، وسائل الشیعة ، ج19،ص69.
ويتبرأ الإمام الصادق (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) من الذي يخلف بالأمانة حتى لو ادعى إنه من شيعته فأولى الناس بإبراهيم من اتبع ملته وأولى الناس بأهل البيت من اقتدى بسيرتهم، فقد ورد عنه (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قوله عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ أَخْلَفَ بِالْأَمَانَةِ )، وسائل الشیعة ، ج19، ص76.
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): ( اَلْأَمَانَةُ تَجْلِبُ اَلرِّزْقَ وَ اَلْخِيَانَةُ تَجْلِبُ اَلْفَقْرَ )، الکافي ، ج5،ص133.
﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾، سُورَةُ التَّكويرِ ، الآية 21.
لَوْ انَّ عربَ الجاهليّةِ اختلفوا على رَسُولِ الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في كلّ شيء، فانّهم اتّفقوا بأجمعهم على انّه (الصّادِقُ الأَمينُ) بلا منازع، ولذلك كان محلّ ثقتهم عند النّزاع وملجأهم الّذي يأوون اليه عند الاختلاف
وعندما ينعَتُه قومُه بهاتين الصّفتين، فهذا يعني انّه كان متميّزاً ومتفرّداً بهما، والا لما ميّزوه عن أنفسهم بهما، ما يعني انّه كان استثنائياً في الصّدق والامانة، تميّز بهما في مجتمع ميَزتُه وشطارتُه في الكذب والخيانة
في الحقيقة نحن عاجزون عن معرفة النبي المعرفة الكاملة والتامّة حيث ورد في الحديث الذي قال النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ( يا علي ما عرفني إلّا الله وأنت ... ) ومن هنا نجد أمير المؤمنين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يتحدّث عن فضل رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقوله : ( ما برأ الله نسمة خير من محمّد ) وكذلك ورد في الأحاديث على عدم جواز تفضيل غيره عليه : ( لا تفضّلوا على رسول الله أحداً فإنّ الله قد فضلّه )
في الصحيفة السجاديّة عن زين العابدين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ( اللهمّ فصلّ على محمّد أمينك على وحيك ونجيبك من خلقك وصفيّك من عبادك إمام الرحمة وقائد الخير )
رسولُ اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ( أما واللَّهِ إنّي لَأمينٌ في السَّماءِ وأمينٌ في الأرضِ ). كنز العمّال ، 32147.
كشف الغمّة : مِن أسمائهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : الأمينُ ، وهُو مأخوذٌ مِن الأمانَةِ وأدائها .
وصِدقِ الوَعدِ ، وكانَتِ العَربُ تُسمّيهِ بذلكَ قبلَ مَبعَثِهِ ، لِما شاهَدوهُ مِن أمانَتِهِ ، وكلُّ مَن أمِنتَ مِنهُ الخُلفَ والكَذِبَ فهُو أمينٌ ، ولهذا وُصِفَ بهِ جَبرئيلُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فقالَ : ﴿ مُطاعٍ ثَمَّ أمينٍ ﴾، كشف الغمّة ،ج 1 ،ص 11 .
السيرة النبويّة لابن هشام عن ابن إسحاق : كانَت قُرَيشٌ تُسَمِّي رَسولَ اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَبلَ أن يَنزِلَ علَيهِ الوَحيُ : الأمينَ . السيرة النبويّة لابن هشام :،ج 1 ،ص 210.
السيرة النبويّة لابن هشام عن ابن إسحاق- في بِناءِ الكَعبَةِ قَبلَ البِعثةِ -: ثُمّ إنّ القَبائلَ مِن قُرَيشٍ جَمَعَتِ الحِجارَةَ لبِنائها، كُلُّ قَبيلَةٍ تَجمَعُ على حِدَةٍ ، ثُمّ بَنَوها ، حتّى بَلَغَ البُنيانُ مَوضِعَ الرُّكنِ - يَعني الحَجَرَ الأسوَدَ - فاختَصَموا فيهِ ، كلُّ قَبيلَةٍ تُريدُ أن تَرفَعَهُ إلى مَوضِعِهِ دُونَ الاُخرى...
ثُمّ إنّهُمُ اجتَمَعوا في المَسجِدِ وتَشاوَروا وتَناصَفوا ، فزَعَمَ بَعضُ أهلِ الرِّوايَةِ : أنّ أبا اُمَيّةَ بنَ المُغيرَةِ بنِ عبدِاللَّهِ بنِ عُمرَ بنِ مَخزومٍ - وكانَ عامَئذٍ أسَنَّ قُرَيشٍ كُلِّها – قالَ: يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ، اجعَلوا بَينَكُم فيما تَختَلِفونَ فيه أوّلَ مَن يَدخُلُ من بابِ هذا المَسجِدِ يَقضي بَينَكُم فيهِ ، ففَعَلوا . فكانَ أوّلَ داخِلٍ علَيهِم رسولُ اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فلَمّا رأوهُ قالوا : هذا الأمينُ ، رَضِينا ، هذا محمّدٌ .
فلَمّا انتَهى إلَيهِم وأخبَروهُ الخَبَرَ ، قالَ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) :( هَلُمَّ إلَيَّ ثَوباً ، فاُتِيَ بهِ ، فأخَذَ الرُّكنَ فوَضَعَهُ فيهِ بِيَدِهِ ، ثُمّ قالَ : لِتَأخُذْ كُلُّ قَبيلَةٍ بناحِيَةٍ مِن الثَّوبِ ، ثُمّ ارفَعوهُ جَميعاً ، ففَعَلوا ، حتّى إذا بَلَغوا بهِ مَوضِعَهُ وَضَعَهُ هُو بِيَدِهِ ، ثُمّ بَنى علَيهِ ) ، السيرة النبويّة لابن هشام ،ج 1 ،ص 209.
السيرة النبويّة لابن هشام: ( كانَت خَديجَةُ بِنتُ خُوَيلدٍ امرأةً تاجِرَةً ذاتَ شَرَفٍ و مالٍ، تَستأجِرُ الرِّجالَ في مالِها وتُضارِبُهُم إيّاهُ بشيءٍ تَجعَلُهُ لَهُم ، وكانَت قُرَيشٌ قَوماً تُجّاراً ، فلَمّا بَلَغَها عن رَسولِ اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ما بَلَغَها مِن صِدقِ حَديثِهِ ، وعِظَمِ أمانَتِهِ ، وكَرَمِ أخلاقِهِ ، بَعَثَت إلَيهِ فعَرَضَت علَيهِ أن يَخرُجَ في مالٍ لَها إلَى الشّامِ تاجِراً )، السيرة النبويّة لابن هشام ،ج 1 ،ص 199.
تعليق