كل قراءة معرفية، تبني صرحها على الحقائق والتصورات التي تحدد آفاقها من خلال مفهومات ترتبها بما يخدم (البحث – القراءة)، وكل اشباع للمفهومات يتم من خلال قراءة الموروث وتعزيز نتائجه، وقراءة الشيخ علي موحان في بحثه الموسوم (زيارة الامام الحسين عليه السلام وحث الائمة عليهم السلام على الزيارة المباركة)، وهو بحث من بحوث مهرجان ربيع الشهادة الخامس عشر.
بحث سماحة الشيخ في بيان الغايات المستوحاة من زيارة الامام الحسين (عليه السلام) من خلال سير المعصومين وانتقاء بعض المواقف الوجدانية المهمة التي مارسوا شعائرها وحثوا الاتباع على اقامة هذه المراسيم، وهذا يعني ان البحث مرصد المرجعيات الفكرية ليصل الى الاجراء العملي، ليصبح ناتج القراءة حاصلاً فكرياً يقيم بمحمولات وجدانية مؤثرة، ولتنصهر في بوتقة السعي الإفهامي، كإجراء يثير التميز ويستند اولاً الى احوال السيدة الطاهرة الرباب (عليها رضوان الله) وانها واست الامام الحسين (عليها السلام) برفع سقف البناء حتى انها تعرضت للأذى، وماتت كمدا على مصاب الحسين (عليه السلام).
والامام علي بن الحسين زين العابدين لم ينهها عن هذا الفعل؛ باعتباره فعل مواساة وابجدية من ابجديات الحزن العاشورائي.
قراءة الشيخ موحان لهذا الفصل من مفاصل التاريخ هي متابعة دقيقة في ثنايا الطف الحسيني، والبحث عن المسكوت عنه المزاح عن التفاعل لتقوية سلطة التأثير، ومن ثم ذهب الى الخطوة الثانية ليجسد الفعل المؤثر، ليضيف الى الرصيد المعرفي الثراء في معرفة فعل المواساة والذي هو بحد ذاته قضية تحث على العزاء.
ورد بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) ان بيوت اهل البيت لم تشعل ناراً للطبخ لمدة خمس سنوات الى ثورة المختار، وبعث برأس ابن زياد اليهم، نلاحظ ان قراءة الشيخ علي موحان تنتقي من الاحداث لتقرأها من خلال البعد المضموني، هناك شواهد تبين مديات الاهتمام بمسألة الامام الحسين (عليه السلام)، وفعل المعصوم له مميزات القرب الالهي، واتكأ البحث على مقدمات (العلم الضروري) حصوله لا يحتاج الى برهان، له امكانية الاخفاء؛ بسبب كثرة الشبهات وانشغال النفس بأمور الدنيا، اشارات تنبيهية، فمن لطف الله سبحانه تعالى ان جعلت معرفتهم ضرورية؛ ليكونوا معينا للوصول الى تكاملهم.
القراءة التي قدمها الشيخ علي موحان عبارة عن رؤية فكرية يرى فيها ان سيد الالطاف التي جعلها الله سبحانه تعالى هو ولاية الامام الحسين (عليه السلام) وجعلها من الضروريات وهذه الرؤية جاءت وفق قيم مباركة اعتبرها من تجليات لمعرفة الضروريات، فالروايات الاستدلالية اعتبرها اشارات (مكتوب على سرادق العرش ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) عرشه قلوب كل المؤمنين، فقد كتب على القلوب هذه العبارات.
والامر الثاني ولاية النبي (ص): "ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا"، وهذه القراءة تأخذنا نحو مرجعيات الزمان، بأنها ليست وليدة احداث كربلاء ومقتل الحسين (عليه السلام)، ما ذكر عندهم الحسين (عليه السلام) إلا وخنقتهم العبرة؛ لكون ولاية الحسين (عليه السلام) أمراً تكوينياً.
ويحشد الباحث مجموعة المواقف التعزيزية لشحذ المعلومة المعرفية ورصد الاثر المعرفي - الافق المميز - وليد الالتزام الايماني، ومنه مجموعة من الادعية المقررة ومجموعة الائمة (عليهم السلام) اثروا بهذه الادعية المشحونة بالقيم، ليصل الى نتيجة فكرية: ان زيارة الامام الحسين (عليه السلام) واقامة العزاء هو منهج معرفي اسسه الأئمة (عليهم السلام)، والحث على الزيارة، تكليف الامام (عليه السلام) بذل مهجته ليستنقذ العباد من الجهالة، وحث الناس على الزيارة هو ايضا سعي لإخراج الناس من الجهالة الى العلم، عبر رسائل منهجية معرفية متكاملة.
قراءة الشيخ علي موحان قراءة واعية، اضافت للمهرجان سمته الثقافية والروحية.