في يوم قائظ من شهر تموز وبعد اذان الظهر، دنت براء ذات الخامسة عشر ربيعا؛ من والدها وهي تتضور جوعا
_ابي اني جائعة
امسكها والعبوس يخيم على وجهه وكاد يتفجر غيظا وغضبا وكأنة يقول لها
_كيف تجرأتي وبوحتي بجوعك
فتح الباب ورماها الى الشارع ،صرخت، بكت، استنجدت، توسلت به ان يدخلها لكنه تغلف بطابع التوحش وكانة تلذذ باوجاعها، تحجر قلبه، ونحر ضميره، وصم اذنه، حتى السماء عصفت بغبار احمر كانها بكت دما على حالها.
تمنت ان تختصر الطرقات خطواتها لمدفنها، أطلقت العنان لقدميها وهي ترفرف من شدة العطش والجوع ركضت لا تعلم الى اين! الشوارع خالية حتى الكلاب تحتمي من شدة الحر تحت فيء الاشجار ،
سمعت صوت صفير، جمدت لم تلتفت الى الخلف؛ مرت بقربها شاحنة فيها ذئاب تحاول ان تصطادها وتنهشها،
حتى أنها سمعت دوي دقات قلبها تفر من بين اضلاعها، جفت الدماء في عروقها،
توجهت الى خالقها (ربي احفظني بحفظك)
_ ياترى هل هذا كابوس ...ياليتني افزع مسرعة من حلمي
لا تدري كيف قطعت المسافة الطويلة لتصل إلى بيت اختها وترتمي بين احضانها، سكنت روحها واحست بالامان.
لا بد انه امتحان صعب وشاق، كل ما حولها اصبح باهتا بلا لون حزن يغور ويغور لكنها لم تعد تشعر بوخز الجراح وفرحة لن تطير ولا تحلق ولم تقفز من شفتيها سحابة الإبتسامة التي اعلنت الحرب الباردة متمردة متنمرة على واقع مرير ومصير مجهول متسائلة
من انا ؟
والى اين ستجرفني دومات الابتلاءات؟
ساخيط ما تمزق من افكاري المرهفة وذكريات الماضي المرير، وامضي.
( اي فتاة في عمرها في هذا اليوم كانت فكرت بالانتحار لكي تنتقم من الجميع لا تهتم حتى لمن يحبوها فهي ايضا تحملهم مسؤولية عذابها )
شارفت براء عقدها الرابع، ولحد هذه اللحظة، يقشعر بدنها؛ عندما تتذكر ذلك اليوم المشؤوم؛لكنها في كل يوم بعد ان تنهي صلاتها ترفع يدها للدعاء لوالديها (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، وَارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً، وَاجْزِهِمَا بِالإِحْسَانِ إِحْسَاناً، وَبِالسَّيِّئَاتِ غُفْرَاناً....).