إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عمار سيف في الكتابة لمسرح الطفل بقلم: عدي المختار/ كاتب ومخرج عراقي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عمار سيف في الكتابة لمسرح الطفل بقلم: عدي المختار/ كاتب ومخرج عراقي


    في زمن القسوة، هل مازال هناك متسع لأحلام الطفولة؟!
    قراءة في تجربة الكاتب العراقي
    دائماً ما كنت أسأل نفسي قبل سنوات, أي قبل أن أتعرف عليه شخصياً, عن أي طفولة يكتب ابن الناصرية عمار سيف؟ هل لازال هناك متسع من الفرح للطفولة العراقية، أم أنها بوابة للشهرة لا أكثر؟ أم هي مجرد أضغاث أحلام يحلم بها هذا السومري العنيد؟
    ففكرت ذات يوم أن أقرأ له، فعشقت ما كتب بحق، ورسمت له صورة في مخيلتي، كنت أتمنى أن تكون هي كذلك في الواقع, فكانت هي بالضبط حين التقيته أول مرة ألا وهي (رجل بروح طفل), بابتسامته وخفة دمه وحتى مشاكسات الطفولة كلها تجسدت بهذا الرجل الذي تمنيت في يوم من الأيام أن أكتب عنه، وعمّا يُقدم من ابداع حقيقي للطفولة ليست العراقية فحسب بل العربية, حتى صادف يوماً كئيباً من أيام العزلة المنزلة، فأرسل لي مخطوطته التي ينوي طباعتها، فكانت خير ونيس في وحشة الأيام الكارونية، فجاءت لحظة الكتابة .
    يؤكد النقاد والمنظرون في مجال الكتابة المسرحية للطفل: إن ميدان الكتابة للطفل من أصعب ميادين الأدب، وليس كل من يريد الكتابة للأطفال يستطيع ذلك؛ لأن الكتابة للأطفال تتطلب من الأديب أن يتحلى بمجموعة من المزايا التي تجمع بين الموهبة واكتساب الحسّ الطفولي الذي يسمح له بالتوغل إلى عالم الطفل بعفوية ودون تكلف، إضافة إلى احترامه لطبيعة الأسلوب الذي يكتب به للطفل، وهو يختلف عن ذلك الذي يكتب به للكبار.
    وهنا تحديداً تكمن ثيمة التجربة الكتابية للكاتب عمار سيف, وبدلالتين مهمتين (الموهبة واكتساب الحسّ الطفولي)، و(احترامه لطبيعة الأسلوب الذي يكتب به للطفل), فهو طفولي الطباع والبراءة بالفطرة, ونقي السريرة بعفوية الأمر الذي انعكس على روحية وأسلوبية كتاباته بالمجمل، فحقق بها الدلالة الثانية ألا وهي احترام طبيعة الأسلوب الذي يكتب به للطفل، ومن يقرأ نصوصه يتحسس هذا الاحترام الاسلوبي في ما يجترح من قصص محببة للطفل وقريبة منه بشكل كبير, وأيضاً في ما يحرثه من سرد درامي متقن يوازن فيه ما بين الآليات الصارمة لكتابة النص المسرحي، وما بين سلاسة البناء الدرامي وفق مبدأ السهل الممتنع .
    هذا الطفولة الحالمة والقابعة في حناياها التي لا يرغب بمغادرتها حتى بعد أن أخذ العمر منه مأخذه، يضاف لها الوعي الاسلوبي الذي امتلك ناصيته، جعلته اليوم في صدارة الكتاب العرب الذين يرسمون للطفولة العربية الضائعة مسارات مسرحية لعالم افتراضي، يبدأ بحلم مخالف تماماً للواقع، إلا أنه يبقى حلماً، يرى الكاتب عمار سيف، ومن معه من كتاب الأطفال، ضرورة أن يعيشه الأطفال حتى ولو كان على خشبة المسرح، وليس خشبة الحياة الواقعية, باثاً من خلال ما يكتب حزمة من الأخلاقيات والتعليمات والفضائل والأفعال التي تحفز المخيال الجمعي للأطفال، وتحفزهم لاتباع ما هو جيد، ونبذ ما هو غريب على المجتمع .
    هو لا يريد أن يزيد عالم الأطفال قتامة عبر نصوصه، بل بالعكس فنصوصه مفعمة بالحيوية والابتسامة والمشاكسات الطفولية، إلا أنه في ذات الوقت يحاول عبر نصوصه وبشكل غير مباشر أن يبث فيه روح الترفيه المسؤولة في عالم الطفولة، وأن يجعل من عالمه عالم طفولة مسؤولة، في ما يطرح من قصص توعوية، أو في ما يُقدم من ثيم ثانوية عبر كل نص، فهو تماماً يسير دون أن يدري نحو نظرية الطفولة المسؤولة التي أسس لها قسم رعاية الطفولة في العتبة الحسينية المقدسة، حينما تبنوا مهرجاناً دولياً لمسرح الطفل بثيم وأهداف مغايرة لمسرح الطفل السائد, مسرح لا يغيب فيه الترفيه، عملية بناء منظومة شخصية الطفل بشكل مسؤول وبشكل غير مباشر؛ سعياً لتأسيس طفولة مسؤولة تعرف غداً ما تريد، وتثقفت بما يكفي لتدير المستقبل بشكل مثالي غداً.
    هذا التأسيس يتجلى في جميع نصوص الكاتب عمار سيف، فهو يعرف ما يريد من كل نصّ، ويمارس هوايته الكتابية بمسؤولية طفولية عالية، لذلك حقق نجاحاً باهراً على الخشبات والمهرجانات العربية، وهو إنجاز يفخر به كل كتاب المسرح العراقي .
    الكتابة للطفولة في زمن القسوة في بلد كالعراق، يُعمّد الطفل فيه حينما يُولد بتراب السواتر، وبترنيمة الـ(دللول) الموجعة, ولا يعيش طفولته كما هي لا في البيت الحزين, ولا في المدرسة التي تُدرّس ولا تربي, ولا في المجتمع القاسي الذي لا تُحترم فيه الطفولة إلا من التماعات هنا وهناك لا تغطي مساحة الطفولة على طول ربوع الوطن.
    تعتبر الكتابة هنا إمّا جنون أو ترف, فالكاتب الروائي المصري المعروف صنع الله إبراهيم يقول: «وكنت أشعر بالفضول تجاه أسرار الطبيعية، فقمعت المدرسة هذا الفضول، وفي ما بعد أتيحت لي فرصة إشباع الاثنين معاً من خلال الكتابة للأطفال».
    وهذا ما سار عليه الكاتب عمار سيف, فهو غادر كل هذه القسوة ليس جنوناً ولا ترفاً، بل من أجل أن يرمّم ما تبقى من الواقع المأزوم عبر صناعة جيل عليه أن يغيّر معادلة المستقبل غداً .

    يبقى من ناحية الأسلوبية الكتابية، كيف تقرأ التجربة هنا وتؤشر لنجاحها, فبالتأكيد تقرأها عبر المقومات الاساسية للكتابة التي حرص الكاتب عمار سيف على المضي فيها؛ ليكتسب نصّه اشتراطات الكتابة للطفل، التي أشار إليها الدكتور هادي نعمان الهيتي في كتابه (أدب الأطفال: فلسفته، فنونه، وسائطه)، حينما أكد: «إن أسلوب الكتابة للطفل ينحصر في أساسيات أربعة، وهي: (الاقتصاد، الوضوح، القوة، الجمال), فالكاتب عمار سيف قدم أفكاره بكل نصوصه باقتصاد تام، ولم يرهق الطفل، ولم يكلّفه جهداً كبيراً في تتبع ثيمة العمل، أو تفسير الحوارات الدالة له.
    أما الوضوح عنده لا يعني الاستسهال، بل الوضوح هنا يسهم في استفزاز مخيلة الطفل، وتفاعله مع النص (تركيبة وحواراً وثيمة ومشاكسات), وكل هذه الوحدات تمثلت في قوة الأسلوب الذي كتب فيه الكاتب سطور نصوصه، عبر توظيفه للكلمات المعبرة الثرية بالمعاني، وكذلك الحوارات القصيرة الدالة، وأيضاً التوصيفات المثيرة للطفل, وبالنتيجة، فإن عملية التناغم ما بين الأصوات والمعاني والتعابير السلسة الموحية والتناسق بين الأفكار والمواقف صنع جمال الأسلوب النصي الذي انعكس على العروض.
    السؤال الأخير هنا من كل ما تقدم: هل مازال هناك متسع لأحلام الطفولة في زمن القسوة؟! بالتأكيد أجاب عنها الكاتب عمار سيف عبر تجربته الكتابية المهمة للطفل التي كان عنوانها مجسداً بعنوان نصه (رسائل الصغار تحلق عالياً) علّها تجلب لنا مطر الرحمة؛ ليسقي عجاف الأرض أو أن يحيل الأطفال أحلامهم الى مستقبل آخر لن يعيشه الكاتب بالتأكيد إلا أنه استشرفه بأحلام نصوصه.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X