مشكاة نور الله جلّ جلاله
زيتونة عمّ الورى بركاتها
هـي قطب دائرة الوجود ونقطة
لـمّا تـنـزّلت أكثـرت كثراتها
هي أحمد الثاني وأحمد عصرِها
هي عنصر التوحيد في عرصاتها
عندما نستعرض المراحل التاريخية التي مرت بها الدعوة الاسلامية سواءا السرية منها والعلنية، او المكية والمدنية، نلاحظ وبوضوح ان النبي الاكرم صلوات الله عليه وآله، ورغم كل ما تعرض له من الاذى والعذاب على يد المشركين والمنافقين في سبيل هداية الناس وتبليغ الرسالة الاسلامية حتى قال بأبي وأمي:" ما أوذي نبي مثل ما أوذيت!"
إلا أننا لم نرى أو نسمع اي شاهد تاريخي يثبت أن النبي قد غضب على قومه أو دعى عليهم ، بل كان نهجه التسامح والتغافل والحرص اشد الحرص على هدايتهم وترسيخ اسس وقواعد الدين في ضمير الامة الواعية
"لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ "(42 سورة الانفال)
ولكن بعد مصاب رحيله الاليم نجد أن السيد ة الزهراء صلوات ربي عليها قد انتهجت مسلكا مغايرا لسلوك أبيها، اذ أنها وقفت بوجه القوم واعلنت عن رفضها وادانتها لمجمل سياساتهم لاسيما غصبهم الخلافة ومصادرة فدك ، فصدحت بالخطاب الفدكي الذي سيبقى شاهدا تاريخيا على منعطف خطير في تاريخ الامة الاسلامية.
فلماذا ياترى اختارت الزهراء هذا الطريق؟ وهل يمثل فعلا انحرافا عن المنهج النبوي في التغاضي عن الحق الشخصي في قبالة الحفاظ على الحق العام ؟
هل كانت الزهراء تعرف بأن القوم لن ييستجيبوا لمطالبها؟
ولو كانت تعرف فلماذا خرجت اصلا ؟!
للأجابة على كل هذه التساؤلات وأكثر، نحتاج الى الرجوع الى الخطبة الفدكية. فرغم كونها شعاعا بسيطا من اشعة الشمس الفاطمية، إلا أنه كاف لانارة مساحات شاسعة من التساؤلات والمغالطات التي لايكاد يخلوا منها زمان .
هناك وبين طيات بلاغتها الفريدة نجد المنهج النبوي التوحيدي شاخصا يرنو ببصره نحو القوم مذكرا وداعيا و ناصحا ، لايروم سوى الهداية الى صراط الله المستقيم.
في الخطاب الفدكي تجلى الاسلام كل الاسلام اصلا وفرعا ومنهجا وكأن لسان حالها يقول :
" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " (سورة يوسف
١٠٨)
فبعد أن أُمر الامام علي عليه السلام بالصبر، باتت الحجة واضحة وجلية أمام السيدة الزهراء لتنهض وتؤدي دورها في التذكير والاشارة بوضوح الى عظم الجريمة التي يتم ارتكابها في حق المجتمع الاسلامي والدعوة الاسلامية واللذان يحتاجان الى الامام القائد وليس الى الحاكم وبهذا تثبت الحجة عليهم وعلى من اتبعهم الى يوم الدين، بعد ظهور الحجة الدامغة في أقوال وافعال سيدة النساء.
ومن هنا يمكننا الجزم بأن المنهج الفاطمي هو منهج نبوي من حيث السعي للتذكير والهداية
ولو كان الامر منحصرا بمصلحة شخصية لما احتاجت السيدة الزهراء الى استعراض كافة حيثيات الدعوة الاسلامية من المبتدأ الى المنتهى، فالقضية إنما هي قضية أمة وليست قضية فرد.
نعم هي كانت تعلم أنهم لن يستجيبوا لها، ولكنها ضربة استباقية ضد اي محاولة لاحقة لاثبات شرعيةما حصل.
فالسيدة الزهراء عليها السلام كانت هي السابقة في امتثال أمر الحق سبحانه لتقدم نفسها قربانا في محراب العبودية الخالصة للحق ( والسابقون السابقون اولئك المقربون)
فمن علّم الامام الحسين أن يقول (إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فياسيوف خذيني)!
أوليس نهج أمه الزهراء؟!
فالسلام عليها مصداقا لليلة قدرنا التي مابرحنا نستعطف نجومها علها تبشرنا ببزوغ فجر القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.