تشتاق النفس وهي على رصيف الحياة لوجه من حرير يتجمل بالحب والاهتمام، عند الوصل تهبّ نسائم عطره لتدق النوافذ بقطرات الندى وهمسه الرقيق يلامس الربيع، تتكحل الرموش ببسمة العيون، ويغني المبسم للسلام والدعاء.
كم هو جميل أن يدخل حياتنا شخص (ربما لم نكن على صلة مقربة به)، لكنه يزرع في قلوبنا بساتين مزهرة، نراه يغوص في أعماق المشاعر بسلاسة حتى يخرجها من حالة الرتابة والجمود ليحملها بين كفّيه الرحيمتين يرعاها بكنف الود حتى يرتفع بها الى نور السعادة المترامي في ذلك الحب، تبدو مكنونات مشاعرنا وكأنها ولدت من جديد، وكأنها في عيد، تنظر بعين الأمل الى ذلك العزيز الذي يبذل ما يستطيع في سبيل اسعادها، تجده واقعاً ملموساً على شكل هدية تصافح وتلامس شغاف القلب، تنتشي الروح وترتشف ماء الحياة فقد ظمئت كثيراً، تنقل الهدية حكاياتنا ومواقفنا وتعبيرنا عن حالاتنا الخاصة في صمت، لكن بحب يفوق الحدود يصل لأعلى معانيه حين يهدي (من...) بروح صافية لا يريد إلا إدخال البهجة التي نود مشاركتها مع (الى...).
الهدية لغة من لغات الحب، وهي لغة السماء «تهادوا تحابوا» وصفها رسول الله الكريم (ص) بتعبير له خصوصيته يختصر كل معاني التواصل الإنساني، فهي تؤلف بين القلوب، وهي سبب في صفاء النفوس مهما كان التخاصم والتباعد بين الأهل والأصدقاء والجيران، وتكون سبباً في نزع الخلافات؛ لأنها تقوم بجلاء الحقد والحسد الذي تراكم في القلوب، وهي وسيلة للتعبير عن الإحساس الصادق المليء بالاحترام والصداقة العميقة بعيداً عن مظاهر الزيف والتكلف.
الهدية، ومن منّا لا يحبها؟ ومن منّا لا يهدي؟ مهما كانت الهدية، ومهما كانت قيمتها المادية، تبقى القيمة الحقيقية لها هي القيمة المعنوية الأغلى والأثمن لتخليد تلك اللحظة (لحظه استلامها) في قلب ووجدان المتلقي.
على الانسان أن لا يحرم نفسه من رسائل الحب، ولا يحرم أهله ولا أقربائه ومن يعنيه أمره من اهتمامه وعنايته بهم وشوقه وشكره لهم، شريطة أن لا تسبب الهدايا عبئاً مادياً جديداً يُضاف الى اعباء الحياة وخاصة ما نراه في الآونة الاخيرة.
فنحن رغم حفاظنا على هذا الأثر والتراث الأصيل، لكن بات يرهق العوائل بميزانية كبيرة دفعت بعضهم للتقليل من التواصل لصعوبة تأمين ثمن الهدية وخاصة أن بعضهم للأسف بدأ ينظر لقيمة الهدية المادية مما يجعل الشخص الذي يقدم الهدية في وضع حرج حسب الظروف الاقتصادية الأخيرة، وهذا الأمر بحاجة الى إعادة رسم المفاهيم، وتصحيح وجهات النظر، وبيان الهدف الأهم والحقيقي لتقديم الهدايا.