تعد كربلاء ملحمة تلخص معاناة البشرية والصراع الدائم ما بين الخير والشر، وما شهدته تلك الواقعة من وقائع قد يعجز أن يدرك تفاصيلها، ومن تلك المواقف البطولية؛ موقف العباس (عليه السلام)، ومن منطلق قول الصادق (عليه السلام):ــ «أشهد لقد نصحت لله ورسوله ولأخيك فنعم الأخ المواسي».
تلك المواساة التي تمثلت بالشهادة، فأخلص لله بمماته بطاعته لولي أمره؛ امتثالاً وتسليماً للأمر الإلهي.
التشابه بين موقفه وموقف أبيه (عليهم السلام) حين كان يواسي الرسول(ص) بروحه، وكما يروى أن امتناع أبي الفضل العباس(عليه السلام) عن شربه للماء يذكرنا بموقف أبيه (عليه السلام) في امتناعه عن تناول حلوى قُدمت له ايام خلافته، مدّ يده ثم قبضها قال (عليه السلام) ذكرت رسول الله (ص) أنه لم يأكلها، فكرهت أن أكله.
يضاف إلى تلك الأسرار المتعلقة بتلك الشخصية العظيمة والدالة على عظم المقام الإلهي الذي وصل له العباس (عليه السلام)، ومما هو معروف أن المعصوم لا يدفنه إلا المعصوم؛ وحين غسل الإمام علي (عليه السلام) رسول الله(ص) أعانه الفضل بن العباس بن عبد المطلب وهو معصوب العين؛ كي لا يسقط نظره على الجسد الطاهر فيصيبه العمى، والإمام العباس (عليه السلام) كما لقّبه المعصوم بالعبد الصالح كان ممن اشترك بتغسيل أخيه الإمام الحسن (عليه السلام)، ولم يفعل ما فعله الفضل بن العباس، ولم يصبه ما يتوقع أن يصيب الكل.
ومن هنا تجدر بنا الإشارة بما يقال أن العباس (عليه السلام) لم تكن عصمته استكفائية أي محتاج لغيره في سلوكه وطاعته وعلى تفاوت في مراتبها من حيث المعرفة والعلم واليقين، وليس من البُدع إذا قلنا أن قمر بني هاشم كان متحلياً بهذه الحلية، ويؤكد ذلك الأمر، المعصوم بمقتضى كلامه(عليه السلام):ــ «إذا مضيت تفرق عسكري». وقوله (عليه السلام):ــ «اركب بنفسي انت يا أخي».
وبتولي المعصوم وحده إنزال جسده الطاهرة ودفنه وكما هو متعارف أن المعصوم يتولى دفن المعصوم؛ فأي مرتبة عظيمة وصل إليها العباس (عليه السلام)، وعظم الرجال من عظم الأفعال.
في ليلة العاشر كان جواب العباس (عليه السلام) لأخيه الحسين (عليه السلام):ــ «أنبقى بعدك؛ لا أرانا الله ذلك أبداً».
وما أرجوزة أبي الفضل(عليه السلام) إلا نصّ وبيان ووصف لحامل اللواء بقوله:
والله إن قطعتم يميني
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن أمام صادق اليقينِ
نجل النبي الطاهر الأمينِ
وضح في ارجوزته (عليه السلام) هدفه وغايته ومدافعته عن دينه، وانما الدين الرجل، وعن إمام ذي يقين ويشهد بصدقه، حيث تذكر الوقائع أن الإمام الحسين( عليه السلام) جلس عند مصرع أبي الفضل (عليه السلام) وأخذ برأسه ووضعه في حجره وجعل يمسح التراب عنه ثم بكى وقال:ــ «الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمُت بي عدوي».
جسّد أبو الفضل معاني الوفاء التي تعجز كل الكلمات أن تصفها، ووصفها المعصوم بعبارة: «الآن انكسر ظهري».