تسبّحُ القيودُ بينَ أناملك الدامية، مِنْ ثقلِ الحديد، وكأنها مسبحة الطين، تلك التي فارقتها مِنْ سنينَ، كفراقك الأهلَ والأحبة، وأيُّ فراقٍ ذاك الذي باعدَ بينَ أبٍ وابنه، حتّى بات اللقاء بهِ حلماً مِن الأحلامِ، لم يكتبْ لهُ التحقق طوالَ تلك الأعوام، وأنّى لهُ ذلكَ، والأبوابُ مؤصدة، ومِن خلفها قضبانٌ وسجان.
هناك وفي نفسِ المكان المعتم، إمام القلوبِ ساجد، ومن مِثلهُ بالصبرِ على البلوى، شابهَ جدّه المصطفى (صلوات الله عليه وآله) بتحملهِ أنواع الأذى، وهو القائل: «ما أُوذي نّبيٌّ مثلُ ما أُوذيت»، لكنّ النّبي محمداً (ص) ما كانَ محروماً مِن الضياء والهواء، كموسى بن جعفر (عليه السلام).
كان صباحهُ مساءً، لا يرى فيه إلّا ظلامًا حالكا، حتى اعتادت عيناه على أن لا تبصرَ غيرَ ذلك، كما اعتادت على ذرفِ الدموعِ ليلًا بخشوعٍ، مع كلِ حرفٍ مِن أحرفِ الدعاء، يتجددُ شوق الغريب للقاء، لقاء العبد الصالح بربه، يا لها مِن رغبةٍ ما بعدها رغبة، أولها موتٌ بشهادةٍ وآخرها حياة بسعادة، وبين البداية والنهاية، موُعدُ المعشوق للعاشق، على جسرِ الأمل، حيثُ ابنُ سويد ينتظرُ بلا ملل، وبريق الاشتياق في عينيه رقراقا، ومع اقتراب كل قادم، قلبه يخفق بشدة، لعلّه الإمام الكاظم (عليه السلام).
وبينَ ما هو كذلك، وإذا ببابِ السجنِ مفتوح، لقد أفرج عن السجين، جسدًا بلا روح، أما القيود، فقد بقيت على حالها في يديه، لكنّها بلا تسبيح.