رغم أني أجبت السؤال الذي باغتني به أحد الأصدقاء، إلا أني بقيت متلهفًا للتأكد من إجابتي، ولتترسخ في ذهني المعلومة أكثر؛ كي لا أُباغت يومًا مثل هذا السؤال المباغت، أنا توصلت الى الإجابة من خلال معلومات قديمة في البال مع بعض الاستدلالات الفكرية من عنوان الليالي البيض، كنت أعرف أن الليالي البيض، هي ثلاثة أيام من منتصف كل شهر من السنة الهجرية، لكني لم أكن أعرف لماذا سُمّيت بيضًا؟ إلا أني لم أقف في حيرة من أمري، بل ترجمت في رأسي بياض تلك الليالي، وأدركت أنها سُميت بيضاً نسبة إلى لياليها البيضاء حيث يتكامل الهلال فيها، وهي الليلة: الثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والخامسة عشرة من كل شهر.
المهم أني أخضعت الأمر لفضولي لمعرفة ما يحيط بالإجابة، فأدركت عن طريق البحث أن المراد من أيام البيض، ليالي هذه الأيام؛ لأن العرب كانوا يسمّون كلّ ثلاث ليال من الشهر باسم، فسمّوا هذه الليالي بالليالي البيض لبياضها أجمع بضوء القمر، ويظلّ بياضها من بداية الليل إلى نهايته، وقد يقال لها "الأوضاح" أو "الأواضح" وهي جمع "الواضحة".
وجاء في علل الشرائع للصدوق (رضوان الله عليه) عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «إِنَّ آدَمَ لَمَّا عَصَى رَبَّهُ تَعَالَى نَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ لَدُنِ الْعَرْشِ يَا آدَمُ اخْرُجْ مِنْ جِوَارِي؛ فَإِنَّهُ لَا يُجَاوِرُنِي أَحَدٌ عَصَانِي، فَأَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ مُسْوَدّاً فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ضَجَّتْ وَبَكَتْ وَانْتَحَبَتْ وَقَالَتْ يَا رَبِّ خَلْقاً خَلَقْتَهُ وَنَفَخْتَ فِيهِ مِنْ رُوْحِكَ وَأَسْجَدْتَ لَهُ مَلَائِكَتَكَ، بِذَنْبٍ وَاحِدٍ حَوَّلْتَ بَيَاضَهُ سَوَاداً، فَنَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صُمْ لِرَبِّكَ الْيَوْمَ فَصَامَ فَوَافَقَ يَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ فَذَهَبَ ثُلُثُ السَّوَادِ، ثُمَّ نُودِيَ يَوْمَ الرَّابِعَ عَشَرَ أَنْ صُمْ لِرَبِّكَ الْيَوْمَ، فَصَامَ فَذَهَبَ ثُلُثَا السَّوَادِ، ثُمَّ نُودِيَ يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ بِالصِّيَامِ فَصَامَ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ ذَهَبَ السَّوَادُ كُلُّهُ، فَسُمِّيَتْ أَيَّامَ بيض.
ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: يَا آدَمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ جَعَلْتُهَا لَكَ وَلِوُلْدِكَ مَنْ صَامَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ».
فرحت جدّا لهذا السؤال الذي جعلني أطلع على معلومات لم أكن اعرفها، ورحت أقرأ أشياء جميلة عنه زادتني معلومات مباركة، قال الامام علي (عليه السلام) عنها أن النبي (ص) قال:
«أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ قُلْ لِعَلِيٍّ صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ - يُكْتَبْ لَكَ بِأَوَّلِ يَوْمٍ تَصُومُهُ عَشَرَةُ آلَافِ سَنَةٍ - وَبِالثَّانِي ثَلَاثُونَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَبِالثَّالِثِ مِائَةُ أَلْفِ سَنَةٍ - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لِيَ ذَلِكَ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ - فَقَالَ يُعْطِيكَ اللهُ ذَلِكَ وَلِمَنْ عَمِلَ مِثْلَ ذَلِكَ - فَقُلْتُ مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ - قَالَ الْأَيَّامُ الْبِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ - وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ.
ثم توضحت لي مسألة مهمة أن الله ميّز ليالي البيض في الأشهر الثلاثة شهر رجب، شعبان، رمضان، أخذني الفضول لأعرف: لماذا ميّز الله ليالي البيض في هذه الأشهر عن سواها؟ فعرفت أن هناك استحباب الاعتكاف في هذه الأشهر للعبادة.