بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الإنسان بطبعه يميل إلى الغفلة والنسيان، والتحرر من القيودات المخالفة لمزاجه.. وقد أشار القرآن الكريم لهذه الحالة بوصف صريح، إذ يقول تعالى: ﴿ ... إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ 1، وهذا بدوره مدعاة للركون والتثاقل إلى الأرض.. بينما الله تعالى يريد لعبده السمو والتعالي في مدارج الكمال.. ومن هنا خصه بالتزامات شرعية تعبدية، ومن هذه التشريعات: الصلاة التي هي قربان كل مؤمن ومعراجه إلى ربه، حيث قال تعالى: ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ 2.
لا شك في أن الصلاة مشروع إلهي ثابت في جميع رسالات الأنبياء، إلا أن لها خصوصية ملفتة في حياة أئمة الهدى (ع): فهذا النبي المصطفى (ص) كان إذا قام إلى الصلاة كأنّه ثوبٌ ملقى.. وهذا علي (ع) يعالج من جراحاته، وهو واقف بين يدي ربه.. وهذه فاطمة نورها يزهر لأهل السماء، وهي قائمة في محرابها تناجي الله تعالى.. وماذا عن الحسن الذي كان إذا توضأ تغير لونه، وارتعدت فرائصه.. أو السجاد الذي كان أنسه بالسجود الطويل، فإذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه، وإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً.. وأما الصادق فقد كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه، ولما سئل، قال: (مازلت أُكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حالٍ، كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها).. نعم، هكذا كانوا (ع) قمة في الخشوع والاتصال بالمبدأ الحق المتعال، فأين نحن وهذه الأنوار المتلألئة؟!.. ولكن إذا كان الوصول إلى هذه القمم مستحيلاً، فما المانع من الارتقاء والخروج من الوديان السحيقة؟..
إن البعض قد يستغرب هذه الحالات الروحية لأولياء الله، وقد يصل الأمر إلى حد الإنكار أو عدم التصديق.. والحال أنه حتى أهل الدنيا لهم ما لهم من حالات الذهول والاستغراق في معشوقاتهم الفانية، ثم إن الله تعالى شرّف الإنسان بأن نفخ فيه من روحه، ومن هنا فهو استحق سجود الملائكة.. فإذن، هو موجود حظي بشرف القرب الانتسابي.. إذ إن كلَّ منتسب إلى الله تعالى، مكتسبٌ للخلود وللتقديس، بالإضافة إلى صفة المخلوقية.. فإذا تفاعلت هذه الروح واستغرقت بعوالم القرب، فإن الإنسان يصير في حالة ذهول شديد، بحيث وكأن البدن يعزل عن الروح.. فهنيئاً لمن وصل إلى تلك الدرجة من الاتصال بالمبدأ جل وعلا!..
إن الكثيرين قد يرغبون في بلوغ تلك المراتب العليا، فيجدون في السعي، ويرهقون بدنهم في العبادة.. غير أن سبيل ذلك هو العمل على القلب، لتحقيق الانقطاع مع الله تعالى.. ولنا هنا أن نورد بعض من موانع الصلاة الخاشعة:
* ممارسة المنكرات والفواحش: إذ لا شك في أن كل حركة في الحياة لها ظاهر وباطن، فكم من الجميل أن يتطابق ظاهر الإنسان وباطنه: بأن لا يكون ظاهره إنسان ملتزم مصلي في المسجد جماعة، بينما حقيقته مزرية، يعمل ما يعمل في السر، فقطعاً بأن هذا الإنسان سيكون محروماً من الخشوع في الصلاة.. بل الأجمل أن يكون باطنه خيراً من ظاهره!.. وقد ورد في الحديث القدسي ما يشير إلى ذلك: مما أوحى الله إلى داود (ع): (يا داود!.. نُح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها!.. وكم ركعة طويلة فيها بكاءٌ بخشيةٍ قد صلاّها صاحبها لا تساوي عندي فتيلاً، حين نظرت في قلبه ووجدته إن سلّم من الصلاة، وبرزت له امرأةٌ وعرضت عليه نفسها أجابها، وإن عامله مؤمنٌ خانه).
ومن موجبات عدم قبول الصلاة:
عقوق الوالدين: عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَن نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاةً).. فكيف إذا كانا مظلومين؟!..
الغيبة: قال النبي (ص): (من اغتاب مسلماً أو مسلمة، لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه).
شرب الخمر: قال الإمام الصادق (ع): (لا تقبل صلاة شارب المسكر أربعين يوماً، إلا أن يتوب..).
* متابعة الفكر والخيال أثناء الصلاة:
إن القلب المشغول بأمور الدنيا ومفاتنها، لا شك في أنه سيكون غير صالح لاستقبال إشارات عالم الغيب، خلافاً للقلب الصافي المروض، بحيث لا يشغل إلا بمولاه جل وعلا.
غير أن المشكلة تكمن في كيفية ضبط الأفكار الواردة، التي قد تأتي دون إرادة الإنسان، إذ كيف له أن يسيطر على عالم الوهم والفكر؟!.. فلو كان الأمر في عالم الحس، لاستطاع أن يستخدم الأدوات الرادعة للضبط، ولكن الأمر خارجٌ عن الإرادة، فماذا يعمل؟!..
ويقال: إن من الطرق الأساسية للوصول إلى الصلاة الخاشعة: أن يصل الإنسان إلى مرحلة ضبط الخواطر.. فبلا شك أن من أصعب الأمور، أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة؛ أي أن لا يفكر إلا بما يريد، ووقتما يريد.. فهذه من درجات التكامل التي قلما يصل إليها الإنسان، وجائزته أن يصلي ركعتين في جوف الليل، كما قال النبي (ص) لأبي ذر: (يا أبا ذر!.. ركعتان مقتصدتان في تفكّرٍ، خيرٌ من قيام ليلة والقلب ساهٍ).
المصادر
1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 72، الصفحة: 427.
2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 103، الصفحة: 95.
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الإنسان بطبعه يميل إلى الغفلة والنسيان، والتحرر من القيودات المخالفة لمزاجه.. وقد أشار القرآن الكريم لهذه الحالة بوصف صريح، إذ يقول تعالى: ﴿ ... إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ 1، وهذا بدوره مدعاة للركون والتثاقل إلى الأرض.. بينما الله تعالى يريد لعبده السمو والتعالي في مدارج الكمال.. ومن هنا خصه بالتزامات شرعية تعبدية، ومن هذه التشريعات: الصلاة التي هي قربان كل مؤمن ومعراجه إلى ربه، حيث قال تعالى: ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ 2.
لا شك في أن الصلاة مشروع إلهي ثابت في جميع رسالات الأنبياء، إلا أن لها خصوصية ملفتة في حياة أئمة الهدى (ع): فهذا النبي المصطفى (ص) كان إذا قام إلى الصلاة كأنّه ثوبٌ ملقى.. وهذا علي (ع) يعالج من جراحاته، وهو واقف بين يدي ربه.. وهذه فاطمة نورها يزهر لأهل السماء، وهي قائمة في محرابها تناجي الله تعالى.. وماذا عن الحسن الذي كان إذا توضأ تغير لونه، وارتعدت فرائصه.. أو السجاد الذي كان أنسه بالسجود الطويل، فإذا قام إلى الصلاة تغيّر لونه، وإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً.. وأما الصادق فقد كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه، ولما سئل، قال: (مازلت أُكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حالٍ، كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها).. نعم، هكذا كانوا (ع) قمة في الخشوع والاتصال بالمبدأ الحق المتعال، فأين نحن وهذه الأنوار المتلألئة؟!.. ولكن إذا كان الوصول إلى هذه القمم مستحيلاً، فما المانع من الارتقاء والخروج من الوديان السحيقة؟..
إن البعض قد يستغرب هذه الحالات الروحية لأولياء الله، وقد يصل الأمر إلى حد الإنكار أو عدم التصديق.. والحال أنه حتى أهل الدنيا لهم ما لهم من حالات الذهول والاستغراق في معشوقاتهم الفانية، ثم إن الله تعالى شرّف الإنسان بأن نفخ فيه من روحه، ومن هنا فهو استحق سجود الملائكة.. فإذن، هو موجود حظي بشرف القرب الانتسابي.. إذ إن كلَّ منتسب إلى الله تعالى، مكتسبٌ للخلود وللتقديس، بالإضافة إلى صفة المخلوقية.. فإذا تفاعلت هذه الروح واستغرقت بعوالم القرب، فإن الإنسان يصير في حالة ذهول شديد، بحيث وكأن البدن يعزل عن الروح.. فهنيئاً لمن وصل إلى تلك الدرجة من الاتصال بالمبدأ جل وعلا!..
إن الكثيرين قد يرغبون في بلوغ تلك المراتب العليا، فيجدون في السعي، ويرهقون بدنهم في العبادة.. غير أن سبيل ذلك هو العمل على القلب، لتحقيق الانقطاع مع الله تعالى.. ولنا هنا أن نورد بعض من موانع الصلاة الخاشعة:
* ممارسة المنكرات والفواحش: إذ لا شك في أن كل حركة في الحياة لها ظاهر وباطن، فكم من الجميل أن يتطابق ظاهر الإنسان وباطنه: بأن لا يكون ظاهره إنسان ملتزم مصلي في المسجد جماعة، بينما حقيقته مزرية، يعمل ما يعمل في السر، فقطعاً بأن هذا الإنسان سيكون محروماً من الخشوع في الصلاة.. بل الأجمل أن يكون باطنه خيراً من ظاهره!.. وقد ورد في الحديث القدسي ما يشير إلى ذلك: مما أوحى الله إلى داود (ع): (يا داود!.. نُح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها!.. وكم ركعة طويلة فيها بكاءٌ بخشيةٍ قد صلاّها صاحبها لا تساوي عندي فتيلاً، حين نظرت في قلبه ووجدته إن سلّم من الصلاة، وبرزت له امرأةٌ وعرضت عليه نفسها أجابها، وإن عامله مؤمنٌ خانه).
ومن موجبات عدم قبول الصلاة:
عقوق الوالدين: عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَن نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاةً).. فكيف إذا كانا مظلومين؟!..
الغيبة: قال النبي (ص): (من اغتاب مسلماً أو مسلمة، لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه).
شرب الخمر: قال الإمام الصادق (ع): (لا تقبل صلاة شارب المسكر أربعين يوماً، إلا أن يتوب..).
* متابعة الفكر والخيال أثناء الصلاة:
إن القلب المشغول بأمور الدنيا ومفاتنها، لا شك في أنه سيكون غير صالح لاستقبال إشارات عالم الغيب، خلافاً للقلب الصافي المروض، بحيث لا يشغل إلا بمولاه جل وعلا.
غير أن المشكلة تكمن في كيفية ضبط الأفكار الواردة، التي قد تأتي دون إرادة الإنسان، إذ كيف له أن يسيطر على عالم الوهم والفكر؟!.. فلو كان الأمر في عالم الحس، لاستطاع أن يستخدم الأدوات الرادعة للضبط، ولكن الأمر خارجٌ عن الإرادة، فماذا يعمل؟!..
ويقال: إن من الطرق الأساسية للوصول إلى الصلاة الخاشعة: أن يصل الإنسان إلى مرحلة ضبط الخواطر.. فبلا شك أن من أصعب الأمور، أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة؛ أي أن لا يفكر إلا بما يريد، ووقتما يريد.. فهذه من درجات التكامل التي قلما يصل إليها الإنسان، وجائزته أن يصلي ركعتين في جوف الليل، كما قال النبي (ص) لأبي ذر: (يا أبا ذر!.. ركعتان مقتصدتان في تفكّرٍ، خيرٌ من قيام ليلة والقلب ساهٍ).
المصادر
1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 72، الصفحة: 427.
2. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 103، الصفحة: 95.
تعليق