هناك عبارة تقول: «على الكاتب أن يحترم عقول قرّائه»، كيف يمكن ترجمة هذه العبارة إلى واقع تدويني عملي، بعيدًا عن التنظيرات غير الواقعية؟
إن الكاتب ابن مجتمعه وبيئته، وهو خبير برؤى عصره، والسمات التي يتميز بها، فلا يمكنه أن يكتب أو يعالج قضية ما، أو حتى يسرح بعيدًا في مخيلته إلى أعماق الذات وأسرارها ومكنونها، ورؤيته للكون والإنسان والحياة، من غير أن يترك بصمة أو لغة تفاهم تداولية مع أهله وناسه والمحيطين به؛ لكي تكون رسالته مكتملة الغاية الدلالية، والأطر العامة التي من أجلها أصلًا ولدت الكتابة كحاجة اجتماعية تواصلية بين بني البشر.
وهو – والحال هذه – يحترم عقول قرّائه، موصلًا غايات سطوره بطريقة سهلة جذابة موحية، وفق مداليل يأنسها وسطه ذو الدلالات العرفية والاجتماعية المُتواضَع عليها، من غير أن ينأى بعيدًا نحو الغرائبية، والتضبيب المقصود في الألفاظ والتراكيب والمجال الدلالي العائم للنص بشكل عام.
وتلك نقطة مهمة تأخذنا بعيدًا نحو فتح ملفات أخرى في سائر الحقول الأدبية: كالنقد مثلًا، الذي بات يُتهم بأنه لا يُفهم، أو أنه بعيد عن الجماهير، بل يُكتب لطبقة معينة من المثقفين، برموز ومصطلحات خليطة بين الأجنبية، وتلك المُستحدَثة التي يستأسد فيها الناقد، مبارزًا أقرانه متحدّيًا أن يأتوا بمثلها، أو أن يفهموه حتى!.
لذا تكمن عذوبة التدوين، في تعاضد الجانبين الإبداعي والوصفي في توصيل المعنى وترشيقه في خدمة التلقي والرسالة التواصلية، لا أن يكونا أداتَي تعقيد وانفراط لحلقات الفكرة والمفهوم.
تعليق