ا
بادي ذي بدء لا بد من إدراك أن ولادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) من حيث التركيبة والتوقيت الزمني والمكاني يحمل خصوصية وحدثا نادرا من نوعه على مستوى تاريخ البشرية، حيث تشير الدلائل الروائية المتواترة عن بيت النبوة أن السيدة الزهراء تحمل صفات دنيوية وسماوية في مزيج واحد حيث يوضح النبي محمد (ص) تلك الخصوصية في نصّ شريف عن الزهراء بأنها (حوراء أنسية)، وفي رواية اخرى (حوراء آدمية)، بمعنى أن طبيعة خلق السيدة الزهراء هي خارج قوانين الطبيعة والاستكشافات العلمية الحديثة على الرغم من سعته وانتشاره، فكان خلق السيدة الزهراء هدية ربانية الى النبي محمد (ص), بعد أن تشكلت من طعام سماوي ليس له علاقة بالأطعمة المادية في الارض عندما عرج النبي محمد (ص) الى السماء وتناول من رطبها, حملت السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) بفاطمة التي يقول عنها النبي محمد (ص) قائلًا: «كلما اشتقت الى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة».
وأيًّا كان الأمر في اختلاف الروايات والاحاديث حول النطفة الجوهرية، وأيّ طعام كان قد تشكل في انعقاد نطفة الزهراء من طعام الجنة، فان هذا الامر بمجمله يخالف مقاييس الطبيعة والمنطق، الحقائق المادية تستخلص من نبات الارض للطبيعة البشرية وهو ما تشير اليه الآية الكريمة (17) من سورة نوح (عليه السلام): «وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا».
أما عن ولادة السيدة الزهراء، فقد حمل بدوره وضعاً قدسيا أحاطت به, وعقد فيه من الطهارة السماوية لولادة تلك الطفلة الشريفة التي لم ترد الروايات والأنباء التاريخية عن حالة سابقة في ذلك من الصديقين سوى ولادة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عندما دخلت أربع نساء على السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) التي تصفهم بالشكل الاتي:ــ
«كأنهن من نساء بني هاشم, ففزعت منهن فقالت لها احداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك اليك، ونحن اخواتك انا سارة، وهذه آسيا بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب، قد بعثهم الله تعالى لتلي النساء من النساء، فوضعت الزهراء طاهرة مطهرة».
وتضيف الرواية أنه أشرق من فاطمة الزهراء نور دخل بيوتات مكة, كما تباشر على إثره الحور العين بولادة فاطمة (عليها السلام)، وحدث في السماء نور زاهر لم ترَ الملائكة قبل ذلك مثله، ولذلك سُمّيت الزهراء (عليها السلام)، التي بشّر جبرائيل (عليه السلام) النبيَّ محمداً (ص) بأنها: «النسمة الطاهرة الميمونة»، لا سيما وانها ابنة سيد الكائنات الذي منحه الله (جل وعلا) الشخصية السماوية، ويصفه القرآن الكريم في سورة النجم بأنه: «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» {النجم/4}، وان نمط شخصيته الغنية عن الوصف والتعريف به أنه «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {القلم/4}.
وهو ما يعني إجمالًا أن شخصية وتركيبة النبي محمد رسول الله (النورانية) وبموجب قوانين الوراثة، قد انتقل جزء منها الى السيدة الزهراء وهو ما ورد على لسان السيدة عائشة زوجة النبي (ص) عن ذلك ما يلي:ــ
«ما رأيت أحدًا أشبه سمتاً ولا دلا وهدياً وحديثا برسول الله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله، كانت إذا دخلت على رسول الله قام اليها فقبّلها، ورحّب بها، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه».
كما تصف أم سلمة زوجة النبي محمد (ص) ذلك أيضاً: «كانت فاطمة بنت رسول الله اشبه الناس شبها ووجها برسول الله (ص).
كما أخذ النبي محمد (ص) بتأكيده لمطابقة صفات السيدة الزهراء لصفاته الروحانية والجسدية التي هي بالتالي صفات نورانية خُلقت من نور الله في قوله وهو قد أخذ بيدها قائلاً :
«من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي بضعة مني، هي قلبي وروحي التي بين جنبيّ، فمن آذاها فقد آذاني»، ويزيد من تواتر تلك الصفات القدسية النورانية المشتركة بين النبي محمد (ص) وبين ابنته فاطمة الزهراء تلك الدلائل الروائية الواردة عن السيدة عائشة بقولها: «إن النبي قبّلَ يومًا نحر فاطمة», فقالت السيدة عائشة:
«يا رسول الله، فعلت شيئًا لم تفعله, فقال: يا عائشة، اني اذا اشتقت للجنة قبّلت نحر فاطمة».
كما دلّت الأحاديث الواردة عن أئمة آل البيت(عليهم السلام) عن خصائص نورانية السيدة الزهراء والقدسية التي خُلقت منها والانوار التي اجتمعت فيها التي تنطلق منها شخصية السيدة الزهراء السماوية، بمعنى آخر أن نورانية السيدة الزهراء, كانت أنوارًا قد خلقها اللهُ (عز وجل) من نوره ونور نبيه، كما ترد بذلك الأحاديث الواردة عن الامام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله محمد (ص) حيث يقول: إن السيدة الزهراء «قد خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم».
ويضيف الى قدسية السيدة الزهراء في خصائص ومراحل خلقها أن الطبيعة التكوينية التي تنطلق منها الشخصية النورانية قد اجتمعت فيها الأنوار، بمعنى أن السيدة الزهراء تنطلق من انوار قد خلقها الله (عز وجل) فيها, وهي من نوره ونور نبيه ومن ثم الى أئمة آل بيت النبوة (عليهم السلام).
كما يدل على تلك الاحاديث دلائل اسماء السيدة التسعة عند الله كما يرد ذكرها الامام الصادق (عليه السلام) التي توضح المراتب والصفات التي ترتقي بها الى اهل السماء أكثر من أهل الارض عندما يجتمع فيها: (الصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدثة)؛ ليستخلص اسمًا جامعًا لتلك الأسماء، وهو (فاطمة الزهراء) كمحصلة نهائية عما هي عليه من التنزه والعلو عما موجود في صفات البشر العادية بمعنى آخر هو الارتقاء عن أهل الارض الى السماء .
وبناء على هذه الحقائق، ان الاسماء المقدسة للسيدة فاطمة الزهراء هي اسماء نورانية لا ينالها إلا من هم على درجات عالية من الصديقين والقدسيين والاصفياء الذين اختارهم الله (عز وجل) لرسالته لأهل الارض، اي ان تسمية السيدة فاطمة بأسمائها المذكورة واعتمادا الى طائفة كبيرة من الاحاديث المروية عن آل بيت رسول الله(ص), هي ليست تسمية ارتجالية ولا وليده اعجاب او استحسان فقط، بل تتماثل فيه مناسبة الاسم مع المسمى وهو ما نجده واضحًا في آيات القرآن الكريم, وإن تعيين أسماء اولياء الله يكون من عند الله (جل وعلا), وإن الله يتولى تسميتهم ولم يكلها الى الابوين، لذلك فإن تسمية اولياء الله ذات اهمية كبيرة، فقد اختار الله لنبيه يحيى (عليه السلام) هذا الاسم قبل ان تنعقد نطفته في رحم امه؛ لأن زكريا سأل ربه قائلاً: «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا {5} يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا» {مريم/6}، وكان الجواب من الله (عز وجل): «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا» {مريم/7}.
وترتبط تسمية السيدة الزهراء بفاطمة بمرحلة مهمة في ذاكرة النبي محمد (ص)، فقد كانت زوجة عمّه أبي طالب (عليه السلام) هي فاطمة بنت اسد, وكان لها دور بارز في رعاية وتربية النبي محمد بعد حضانة عمّه أبي طالب (عليه السلام).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
- محمد الحسيني الشيرازي, فاطمة الزهراء في السيرة المطهرة, كربلاء, العراق 2013.
- الشيخ هشام القطيط، سلو فاطمة عن مصائبها، مكتبة دار الفجر، 2008.
- السيد صادق الحسيني الشيرازي، فاطمة الزهراء (عليها السلام) في القران، الطبعة الرابعة، 2000.
- السيد الكاظم القزويني, فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد، بيروت، 2012.
- السيد نبيل الحسني، من أي نور خلق الله (عز وجل) فاطمة بنت محمد (عليها السلام)؟، شبكة الانترنيت .