تويت
الشعر رؤية تنهض ضمن أطر وسياقات ثقافية، هو خطاب يعي فهم الوجود وتقديمه، هذا ما تقوله تعريفات النقاد، وأين نحن منها، وبين أيدينا مجموعة (أبداً تترجل الشمس) للشاعر (رعد الناشئ).
لا بد أن ننظر وفق أي أسلوب صاغ الشعر ليعرض لنا رؤاه؛ لأننا نؤمن تمامًا أنّ كل نصّ شعري له حضوره الخاص، وجدانيته، ومستواه، بل فرادته، لذلك ستكون القراءة في طرائق التعبير عند آفاق التجربة باعتبارها عالمًا قائمًا بذاته .
بالنظر الى فاعلية البناء النصي ومرتكزاته الدلالية نلاحظ:
شعرية العنونة:
من مساعي بناء النص اختيار العنوان الذي يوحي بمضمونه، ليكون مفتاحًا من مفاتيح القراءة، فهو مرآة مصغرة للنسيج النصي والاجتهاد بهذه المجموعة يكمن أولًا في صياغة العنونة الشعرية مثل: العنوان الرئيسي لمجموعة (ابدًا تترجل الشمس).
بعضهم يرى أن شعرية العنوان موازية لشعرية النص لقيامه بدور فاعل في تجسيد شعرية المنجز، والشاعر الناشئ امتاز بتمكنه الواضح لبناء أولى عتبات النص، مدركًا أهمية أن يبث فيه القصد، ويعتبره النواة المتحركة التي ينسج بها النص.
العناوين الفرعية للقصائد عناوين ذات تراكيب شعرية مرتكزة على الانزياح لإبراز قيمته الإبداعية مثل: (قيثارة الحكمة)، ركز على بناء العنونة كل عنوان له سماته، وسمة العنوان هي التي حددت أسلوبية التكوين:
(ميول أعوج) أو (في عينيها يتغزل الجفاء)
ومضة شعرية تشير الى إمكانية ومقدرة المبدع على اختيار عنوان قصته. بعض العناوين تشير بذكاء الى موضوع النص، وعنوانات أخرى أسهمت في تأويل النص، والكشف عن أغواره مثل: (وللحرية وجه صوفي) أو لنقف متأملين في وضوح هذا العنوان وتكامله:
(ما زال الفقراء يتوسدون الدعاء)
تظهر إمكانية تأثير العنوان على بنية النص، وتحديد مقاصده الدلالية، وتكمن شعرية العنوان في التركيب أحيانًا:
(قافلة الضياع/ سورة الوطن)
وهناك شعرية الدلالة:
(لا يرتدي العيد ملامحنا)
أو لنقرأ عنوانًا آخر:
(للساعة ثقل الموت)
ونجد أن أغلب هذه العناوين ترتكز على سعة الخيال:
(خجلًا تمارس الفراشة غوايتها)
هذا العنوان ومضة من خيال، وبعض العنوانات تحاكي الواقع، وكأنه أراد الحكمة في العملية القصدية للكتابة:
(يتلوى الواقع على أريكة الرياء)
ومن العنوانات ما يكون لجلب فعل الدهشة:
(هلمّي لنعانق الماء معًا)
وهناك الكثير من الانزياحات والعدول في العنونة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرية السرد والتركيب الجملي:
للمستوى التركيبي للجملة أهمية لكشف شعرية الشاعر ومؤثراته الإبداعية وأساليبه الشعرية، فنقرأ عند الشاعر الناشئ جملًا شعرية مثل:
(كواليس القلب/ وراء المستقبل/ الملابس المشوهة/ الأيام الواهمة)
تكمن قدرة الشاعر الإبداعية من خلال براعته في التشكيل والتركيب يظهر في تركيب الجملة معنى فهم خواص الكلمات وتركيبها، واستثمار خواصها لتعشيقها في تراكيب متجانسة:
(الفضاء...،
ينثر الثلوج
على الحقول
بأكفانه البيضاء)
هذا الانزياح التركيبي قادر على أن يمنحنا الرؤية الداخلية لدى الشاعر، بمعنى يستطيع أن يشيد من هذه التراكيب الايحاءات الفكرية, عبر موائمة المفردات، وهذا يحتاج الى براعة تقنية عالية عند الشاعر، وتمكن شعري قادر على تحويل تلك التراكيب الجملية الى شيء مؤثر في نفسية وعقلية المتلقي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرية الحكمة:
تفسر شعرية الحكمة بأنها نمطًا متطورًا، وهذا النموذج يقصد منه ترسيخ المفاهيم التربوية والنصح والإرشاد عبر مبادئ أخلاقية عامة, أدب يعلم المتلقي كيف يعيش, ويثير أدب الحكمة أدبًا صادقًا يهدف الى نشر الفضيلة، وهناك حكم منها مباشرة، يكتب حكمته بهدوء:
(من لا يصرف الأيام
على مسرح الأوهام
كان عبدًا لها)
اشتغال الحكمة في هذه المجموعة يميل الى توجيه الحكمة بشكل مباشر كي يزيد مساحته التأثيرية:
(تجنب الشيء المهم لا يعد خوفًا منه)
ويرى النقد أن مفهوم الحكمة حضور كثير منها يمثل الأمثولة استخدمها الشاعر بهذا المعنى:
(ألا تعي الأجساد نهايتها الثرى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرية الشعار:
مفهوم الأدب هو البلاغة المؤثرة في النفوس، ولذلك تتخذ الكتابة صياغات متعددة؛ كي تؤثر في المتلقي، لذلك انبثق أدب الشعارات للتعبير عن انفعالاته وأحاسيسه:
(فالتمتع بالحرية
لا يعني
الاستهانة بحقوق الآخرين)
والأدب هو فن تعبيري يعبّر به الانسان عمّا يجول في خاطره من مشاعر وأفكار وخواطر:
(القبور تنادي
لماذا الصمت
أولاد بلادي
ملأ الخوف قلوبكم
ترتجفون في الظلمة
واصوات الانفجار تهز
المهود)
فهو ينظر نحو الشعار بأنه ادب له مكوناته وسماته بعدما يسقيه بشعرية ويحمل بروحه خطابًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وهناك العديد من الأساليب التي تنفسها ابداع الشاعر الناشئ مثل: الشعرية السردية، وشعرية الاستفهام، والشاعر رعد الناشئ شاعر تكفيه شهادة هذه المجموعة الرائعة على أنه شاعر كبير