ابتسامته الشفافة رسمت على وجهه علامة الرضا، تقدم يستقبلني وأنا أدخل غرفة التخدير، بأسئلة يريد أن يستدرجني بها الى عملية استرخاء كاملة، وأنا انظر اليه سألت نفسي: يا ترى كيف كان شكل العمليات قبل ثورة التخدير؟ (وليم مورتون), هو المسؤول الأول عن استعمال التخدير (البنج) في العمليات الجراحية وهو أول من أستخدم (الأثير) في العمليات الجراحية كمخدر, إذ أن هذا الاختراع قد أوجد اختلافًا في حالة البشرية.
وقد كانت بشاعة الجراحة لا يتصورها العقل, عندما كان المريض مضطرًا لأن يبقى واعي الحواس، بينما كان الجراح ينشر عظامه لبتر عضو مصاب من أعضائه، ولا شك أن المقدرة لوضع حدّ لهذه الآلام المبرحة هي إحدى أعظم الهدايا والهبات التي يستطيع أي إنسان أن يقدمها لإخوانه في الإنسانية، فاليوم نتحدث عن (وليم مورتون) أبو التخدير في العالم .
اجتهد العلماء قديماً في البحث عن حلّ لتسكين الآلام الحادة التي يعاني منها المريض الذي تضطره الظروف للخضوع لإجراء العمليات الجراحية، فأسفرت بعض الأبحاث عن استخدام بعض الأعشاب التي تقلل من الإحساس بالألم مثل الأفيون، والقنب وغيرها ولكنها لم تقضِ على الألم نهائياً؛ نظراً لاستخدامها بتركيزات قليلة؛ لأن الكثير منها يفضي إلى الموت.
ثم جاءت المشروبات الكحولية كوسيلة لتخفيف الألم ولكن المريض ما يلبث أن يشعر بالألم ويسترد وعيه، كما حاول البعض إفقاد المريض لوعيه حتى يتم الانتهاء من العملية، وأيضاً استخدام التنويم المغناطيسي، وقام الصينيون باستخدام الأبر للتحكم في الألم، وغيرها الكثير من الوسائل التي لم تحقق الكثير من النجاح وكان لكي يتم إجراء عملية لمريض يجب تقييده جيداً على منضدة العمليات حتى يتم الانتهاء من العملية، وكانت الكثير من العمليات تنتهي بوفاة المريض .
بدأ التخدير يأخذ شكلًا آخر بداية من أواخر القرن الثامن عشر، فاكتشف الكيميائي (بريستلي) غاز أكسيد النيتروز الذي له تأثير مخفف للألم، كما اكتشف (مايكل فاراداي) أن استنشاق غاز الأثير له تأثير يسبب فقدان الإحساس بالألم. وتوصل د. هوارس ويلز (وهو أحد الأساتذة الذين تعلم منهم ثم أصبح الاثنان شركاء في الاهتمام بالتخدير) إلى استخدام (غاز الضحك) أو أكسيد النيتروز كوسيلة للتخدير أثناء إجراء جراحات الأسنان، ولكن لم يكتب لويلز النجاح في عرض تجاربه أمام الأطباء .
جاء دور مورتون بعد ذلك والذي توصل إلى أن (الغاز المضحك) ليس وسيلة فعالة في تخفيف آلام المرضى أثناء إجراء العمليات الجراحية، فلجأ إلى استخدام (الأثير) الذي عرف عنه أن له خواصا خافضة للألم ومفقدة للإحساس، إلا أنه دار الخلاف بين الأطباء حول لمن يرجع الفضل في اكتشاف الأثير واستخدامه كمخدر في العمليات الجراحية، فبعد نجاح مورتون تقدم أستاذه تشارلز جاكسون وادعى انه هو الذي اقترح عليه استخدام الأثير كمخدر.
ويقال أنه قبل اكتشاف مورتون هذا كان أحد الأطباء يدعى كروفورد لونغ قد استخدمه في التخدير ولم يعلن عن تجربته، ولم يظهر إلا بعد أن أعلن مورتون عن اكتشافه، ولم يتمكن مورتون من تسجيل اكتشافه للمخدر ولكنه سجل جهاز التخدير .
وعلى الرغم من استخدام (الأثير) كمخدر في الكثير من العمليات، تم تجاهل مكتشفه مورتون تماماً مما أصابه بكثير من المرارة والإحباط وتوفي فقيراً بعد أن ضاعت جهوده من الناحية المادية، لكن اسمه ارتبط مع أعظم اكتشاف أفاد البشرية على مر التاريخ .
وهكذا أصبح التخدير مفتاحاً للتخلص من المعاناة والألم عند إجراء العمليات الجراحية بفضل الله أولاً ثم بجهود مورتون، وتكريماً لمورتون وجهوده تم تشييد تمثال له بالقرب من مقبرته في بوسطن وقد نقش عليها العبارات التالية (وليام مورتون مخترع ومكتشف التخدير عن طريق التنفس، مما أدى إلى تخفيف الألم عند إجراء العمليات الجراحية، وكانت الجراحة قبله عذاباً ولكن بعده أصبح العلم قادراً على التحكم في الألم وعلى القضاء عليه).
العالم (وليام مورتون)، ليس مجرد اسم, انه رجل أراح العالم من ألم العمليات والجراحات وكان سبباً في انطلاق الأطباء في تنفيذ عملياتهم بحرية تامة، وأتاح للمرضى إجراء العمليات دون تحمل عبء المعاناة والألم الذي ينتظرهم أثناء إجراء العملية، وانا رحت ابحث عن صاحبي الطبيب المخدر العراقي الذي كان يسترضيني بمودة ليغيبني عن الألم.