حان وقت العودة الى مقاعد الدراسة؛ ليتمتع أطفالنا بطلب العلم بكل ما وهبهم الله تعالى من حواس، وعقل ذكي حساس، فيتنافسون مع أقرانهم بما يتمتعون به من صدق ومثابرة، يتبعون شعاع النور الوحيد الذي يجعل أشرعه الهداية تتعالى في حلك الظلام، ويحملون أحلام الطفولة وأمنيات الأب ودعوات الأم ودموعها، يريدون الوصول الى تلك القمة الرفيعة؛ لأن للوصول الى قمة النجاح طعماً لا يعرف مدى لذته سواهم، ولا يمكن أن يصفه أحد سوى من سار ورأى وعورة المسلك.
لكن ما إن يضعوا أقدامهم على أول الدرب حتى يكتنفهم الضباب، ويغص أمامهم الطريق بالالتواءات والانحناءات، تتبعها زفرات الآباء، وتختنق أنفاسهم المتخبطة في صدورهم.
وفي وسط ما يعاني السلك التعليمي من مشكلات، برزت آفة هي ليست بجديدة، لكنها استفحلت ونخرت جسد العملية التربوية، وهي ظاهرة التدريس الخصوصي.
ومما يُؤسف له، أن نرى بعض المدرسين لا يفي حقّ درسه بين جدران الحرم المدرسي، مما يضطر الطالب الحريص على مستقبله البحث عن طرائق أخرى للتعويض، ومن هذه الطرائق هي الدروس الخصوصية.
ونحن هنا لسنا ضد الدرس الخصوصي؛ لأنه رغم سلبياته الكثيرة وفّر للطالب باباً يلجأ اليه عند الأزمات، وخاصة للطلبة الذين يعانون من صعوبات في الحفظ والتعلم والطلبة الذين لا يجدون في البيت من يساعدهم في واجباتهم، وخاصة مع صعوبة المناهج ومستوى الأهل التعليمي البسيط الذي لا يسمح لهم بأن يكونوا عوناً لأولادهم.
لكن نحن ضد أن تصبح هذه الظاهرة تجارة بمستقبل أولادنا، وأن يصبح الطالب سلعة لدى المدرس المقصّر في مهنته، المقصر بأداء واجبه التربوي في المدرسة، لكنه المثابر المخلص في درسه الخصوصي، يساوم الأهل على نجاح أولادهم، وكأنه يملك العصا السحرية للتفوق لقاء مبالغ وأجور باهظة، مما يضطر العديد من العوائل التي قد لا يتوفر لديها ما يسدّ احتياجاتهم، لكنهم لا يتوانون عن توفير ما يضمن مستقبل أبنائهم.
هنا يجب أن نسلط الضوء على بعض النقاط المهمة:
أولها: أن يعي الآباء أن الدرس الخصوصي هي رفاهية تصبح ضرورية لمن يحتاجها بشدة، وإن كان ولابد للدرس، فيوجد أساتذة متفانون لخدمة الطلبة، وخاصة في ظل ظروف جائحة كورونا، حيث برز أساتذة يُشار إليهم بالبنان؛ لإخلاصهم في واجبهم من خلال متابعة الطلبة عن طريق وسائل التواصل ودون أي مقابل.
ثانيها: أن يستشعر الطالب المسؤولية الملقاة على عاتقه، فإنّ الدرس الخصوصي ليس نزهة، أو باب تنفيس عن الملل، ولا مباهاة بينه وبين أقرانه، إنما هو جهد وخوف الأهل أولاً، والمدرس ثانياً.
أما ما يخصّ المدرسين، فعليهم إعطاء حق دروسهم والإخلاص فيه، فانهم محاسبون أمام الله تعالى عن طلبتهم، ولا يجب أن يعتمد في تدريسه على أن كل الطلبة لديهم مدرس خصوصي؛ لأن هناك الكثير من الذين لا يستطيعون ذلك، فلا تحرموهم من نعمة طلب العلم والتفوق، وعليهم أن يراعوا الحالة الإنسانية التي ستعود عليهم بالدعوات، وتزيح عنهم البلاءات.
إن الوضع التعليمي بصوره عامة بحاجة ماسة لإجراءات صارمة، وقوانين حاسمة، وبناءة؛ لتقليل هذه الظاهرة، والحدّ من آفة التدريس الخصوصي التي أضعفت العملية التعليمية في مدارسنا الحكومية.