يقول بعض المعاصرين إنَّ زينب كانت مجرّد امرأة عادية كسائر النساء، حيث روى المؤرِّخون عنها صورًا من الجزع والانهيار عند المصيبة، من قبيل انهيارها ليلة العاشر من المحرم عندما سمعت أخاها الإمام الحسين



الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة على المصطفى وآله المعصومين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فقد تعرّضت لجملة من النقاط المرتبطة بهذا المحور في حوار عبر الزوم قبل عدّة أشهر، كما تعرّضت له في محاضرة عن عظمة شخصية العقيلة فخر المخدّرات بطلة كربلاء زينب 
الأمر الأول: أنحاء تناول التاريخ.
إنَّ تناول التاريخ على أنواع ثلاثة:
- السرد التاريخي: ويكفي في اعتباره كون الحدث مرويًا بشكل متناسب مع سياق الأحداث، وعدم مصادمته للعقل القطعي والمعتقد الثابت بالأدلّة.
- التحقيق التاريخي: ويعتمد على عدّة أدوات علمية يأتي بيانها.
- التحليل التاريخي: وهو بلورة كيفية الحدث بما ينسجم مع سياق الظروف التاريخية والسنن العامّة.
- شهرة الخبر، بمعنى تعدّد رواته أو نقلته على نحو العرضية لا الطولية؛ كي لا ينفتح مجال تأثّر اللاحق بالسابق الموجب لإعاقة رجحان الاحتمال. نعم، لو كان اللاحق ناقدًا خبيرًا فهو مصداقٌ للأداة الآتية، حيث إنَّ خبرويته بذاتها عاملٌ من عوامل رجحان الاحتمال، لكن لا من جهة حيثية الشهرة.
- أن يكون الناقل للخبر من المؤرِّخين المعروفين بالتدقيق والتثبّت، ولو كان من المتأخِّرين.
- ورود الخبر في كلمات القدماء في القرون المتاخمة لزمن التاريخ نفسه، كأن يكون الرواة والكتب الناقلة للحدث في حقبة ما قبل القرن السادس الهجري بالنسبة لتاريخ أهل البيت
، أو أن ينقل الخبر مؤرِّخ متأخّر ولكن عن نسخة صحيحة تعود للقرون الأولى، سواءً ورد على سبيل الرواية أو الرجز أو الشعر السردي.
- اقتضاء الدلائل العقدية أو المناسبات العرفية أو السنن الاجتماعية للحدث، أو اقتضاء السياقات التاريخية لوقوع الحدث، أو وجود بعض المعالم التاريخية التي توارثتها الأجيال، نحو آثار معارك الرسول
في المدينة، أو الحفريات الثابت رسوخها في القدم من قبل خبراء علم الآثار، أو وجود الصكوك والأوقاف القديمة على موقع معيّن بحيث ترشد لحدث تاريخي، ونحو ذلك، بل قد يكون الخبر مرسلًا ولكن المتن والشواهد العقدية والمناسبات العرفية والسياقات التاريخية تقتضي رجحان صدوره.



الأمر الثاني: عدم تنافي البكاء مع الصبر والتسليم.
لا ريب في أنَّ ما حصل من السيّدة العظيمة زينب






وكيف يعدّ ذلك ضعفًا أو نقصًا وقد بكت أمّها البتول الصدّيقة




كما أنَّ ما ورد في عدّة مصادر من خروج السيّدة الجليلة القدر زينب


الأمر الثالث: تعدّد المسمّاة بـ «زينب».
لقد ذكر الشيخ المفيد «قدّس سرّه» في كتاب «الإرشاد: ج1، ص354» - وهو أصحّ المصادر عندنا - أنَّ أولاد أمير المؤمنين






الأمر الرابع: عظمة شأن الكبرى العقيلة

إنَّ السيّدة العظيمة فخر المخدّرات زينب العقيلة


1- العصمة: حيث إنَّ توافر المقامات العظيمة فيها - نحو ثبوت العلم اللدني لها، وحلولها محلّ النيابة الخاصة عن الإمام المعصوم





2- العلم اللدني: بناءً على ما ورد عن الإمام زين العابدين علي






3- أنَّها الجوهرة الجامعة للأنوار الخمسة المحمّدي والعلوي والفاطمي والحسني والحسيني، وذلك يتجلّى من خلال مقارنة خطبتها البليغة مع خطبة أمّها الزهراء وأبيها أمير المؤمنين

4- اهتمام أمير المؤمنين


5- بلوغها أسمى درجات الفناء والتسليم والرضا في قوّة جنانها وصبرها الذي تحدّث عنه رواة التاريخ، والذي تجسّد فيما ورد في وصفها أنَّها حينما رفعت جسد الإمام الحسين

6- النيابة الخاصة: فإنَّها التي أسند إليها الإمام الحسين الشهيد




ويكفيها فخرًا وشرفًا هذه النيابة الخاصة عن الإمام الحسين









وكلّ ذلك يكشف عن وفرة علمها وشدّة صيانتها للدين في مقام تبليغ الأحكام الشرعية وتطبيقها وتعليمها، ولذلك اختيرت للنيابة عن المعصوم

وقد كتبت عنها أقلام أهل السنة والشيعة منذ القدم:
أ- فقد ذكر خطبتها المشهورة ابن أبي طيفور المتوفى عام 280 هـ في كتابه بلاغات النساء، والذي كتب في أوله: «هذا كتاب بلاغات النساء وجواباتهن، وطرائف كلامهن، وملح نوادرهن، وأخبار ذوات الرأي منهن».
ب- وقال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين «ص60» في ترجمة ولدها عون: «وأمّه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب، وأمّها فاطمة بنت رسول الله


ج- وقال عنها في سفينة البحار «ج3، ص 497»: عدّها عز الدين أبو الحسن الجزري المعروف بابن الأثير - المتوفى عام 630 هـ - من الصحابة، وقال عنها «امرأة عاقلة لبيبة جزلة، زوّجها أبوها من عبد الله بن أخيه جعفر»، إلى أن قال: «وكلامها مع يزيد بن معاوية في الشام حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي [هكذا ورد في المصدر، والصحيح بنت أخيها] مشهورٌ مذكورٌ في التواريخ، وهو يدلّ على عقل وقوّة جنان».
د- ونقل الشيخ جعفر النقدي في كتابه «زينب الكبرى: ص 27» عن كتاب «جنات الخلود» المكتوب باللغة الفارسية للشيخ المعاصر للمجلسي صاحب البحار ما معناه: كانت زينب الكبرى في البلاغة والزهد والتدبير والشجاعة قرينة أبيها وأمها «عليهما السلام»، فإنَّ انتظام أمور أهل البيت بل الهاشميين بعد شهادة الحسين


هـ- ونقل عن ابن عنبة في أنساب الطالبيين: «زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين



كما أثنى غيرهم من المتقدّمين كثير، وقد تناول الثناء عليها منذ ما يزيد عن سبعين سنة بعض الباحثين من السنة والشيعة، كما في كتاب «بطلة كربلاء» للدكتورة عائشة بنت الشاطئ، وكتاب «النهضة الحسينية» للسيّد هبة الدين الشهرستاني، وكلاهما وصفاها بأنها الثائر شريك الحسين

وبعد ما مرّ عرضه من الفضائل نقول: حيث لا يُحْتَمَل تعدّد من تتوفّر فيه جميع هذه الصفات، يتعيّن أن يكون المقصود بها جميعًا هو السيّدة زينب الكبرى العقيلة الملقّبة بفخر المخدرات وأم المصائب


تعليق