كنتُ ألوم في نفسي : لمَ لا أذهب اليه وأحاوره عن نقطة الخلاف؟ ومشكلة التعارض؟
فطاولة الحوار ذات فضاء فسيح وأفق رحيب ..وبعيداً عن الفرضية ولوازمها ..أعرض الحالة بلا رتوش ..وما هو المانع من ذلك؟؟
فالآخر أخي في الدين والانسانية ، كما أشار رائد العدالة الاجتماعية والانسانية مولانا (أمير المؤمنين) صلوات الله عليه، في (عهده المبارك لعامله على مصر الصحابي الشهيد مالك الأشتر)..وما يشجع على هذه الخطوة ،السليقة الطيبة لجمهور المسلمين،و الذين لم يتأثروا بالمنظومة السلفية الهوجاء..
هذه المنظومة التي صيّرت في العقل الجمعي قانوناً، يُلزم أتباعه بتحاشي سياق (المقاربة) بما يخص قادة وامراء (الدولة العربية الإسلامية) ،ولو من زاوية قراءة الأحداث بالنقد والتحليل!!
وهذا الامر، كان مقبولاً عند منظومة المؤيدين في القرون التاريخية الماضية ..واستمر بوتيرة متصاعدة ،متماهيةً مع آليات (الرهاب) عند علماء النفس والاجتماع ،والتي تُسوَق تحت يافطة (فوبيا) .
فلا يمكن وفق هذي الـ(فوبيا المقدسة) الشروع ،او التفكير بالدوافع والأبعاد النفسية الكامنة، وراء سلسلة الأخطاء والموبقات، التي تركت آثاراً وتداعيات نفسية وعقدية وفكرية جسيمة حتى يومنا هذا ...
والدين السياسي الحاكم في تلك القرون البعيدة ،مطبقٌ وبأعلى سلم التشنج والتعنت ،على (تنزيه اولئك القادة والأمراء عن الأغراض الدنيوية والأهواء النفسية) ..
وخلافا لإصحاب هذا الإتجاه، نرى الباحثين الغربيين يتعمقون في دراساتهم وأبحاثهم التحليلية بهذا الشأن، الى الحد الذي جعل بعض الكتاب العرب والمسلمين، يتأثرون بمنهجيتهم..فبدأت بعض الدراسات الأكاديمية العربية الجريئة ، في تصفح أوراق (التاريخ المُقدس)ووضعه تحت مجهر البحث والنقد ..
ومن تلك المحاولات الجريئة، محاولة الباحث الأردني (عماد المصري)، المتخصص في الدراسات والتحقيقات الحديثية يقول فيها "هل يجوز لنا الخوض في ما وقع وجرى بين الصحابة؟" ويضيف " الذين كتبوا في الفتن والتواريخ كابن جرير الطبري، وقبله من فعل ذلك من المحدثين، إنما كان لبيان ما جرى بين الصحابة فلا شيء فيه، ولا مانع منه".
وخرج بنتيجة مفادها "أننا بحاجة إلى دراسة تتفهم طبيعة العصر الذي حدثت فيه تلك الخلافات، وتنطلق من اعتبار اختلافات الصحابة في قتالهم بعضهم لبعض إنما هي لأسباب سياسية وليس لأسباب دينية، وأن معاوية بغى على (علي) والجماعة.. ".
و مثلها محاولة الباحث المغربي، المختص بقضايا الفكر الإسلامي المعاصر والدراسات القرآنية،( د.صابر مولاي أحمد) الذي يذهب الى مفردات تحليلية سليمة ،يقول فيها :
"الكثير من الناس، مع الأسف ينظرون إلى الصحابة بنظرة أيديولوجية تبجيلية مبالغ فيها كثيرا، يستحيل معها النقد والتحليل والنظر..""
وما أدق ما قاله الباحث السوري المتخصص في الحديث النبوي وعلومه،(د.عمار الحريري) لا مانع من حيث المبدأ في استخدام منهجية التحليل النفسي في دراسة الأحداث التاريخية التي وقعت بين الصحابة..".
و حول ثمرات إخضاع تلك الأحداث لمنهجية التحليل النفسي ، يؤكد أن "من الواجب تفعيل كل العلوم واستثمارها في نقد التراث " وذلك "لوقوع مبالغات ..خالفت نصوصا قرآنية وأحاديث نبوية في ذلك".
وكان الأشد وقعاً ، ما طرحته الكاتبة التونسية هالة وردي ،في كتابها (الخلفاء الملعونون) ووالذي أثار جدلاً كبيراً في وسطها الفكري والآيدلوجي.. داعيةً الى إعادة قراءة التراث،و وضع حد فاصلٍ بين التجديف وحرية النقد..
وبتعبير (خارج المألوف)، قامت هذه الباحثة بتوجيه التهم لمن وصفتهم بـ(تيارات رجعية) بتزييف الحقائق وبتجميل فترة الخلافة الأولى، مضيفة أن "الصحابة كانوا أشخاصا عاديين لهم طموحات سياسية دفعتهم إلى التصرف بانتهازية".
إن إتباع منهجية التحليل النفسي، في قراءة الأحداث والوقائع التاريخية المتعلقة بخلافات الصحابة السياسية، غالبا ما توصل إلى نتائج صادمة للعقل الأصولي!!!
لان الحوار الهادف يوصل بالنتيجة الى ما نعبر عنه بـ(تحرير المفهوم) ، أي تجريده من أي موانع ومحاذير، وبالتالي يكون من المتوقع ظهور ملامح جديدة لذلك المفهوم ، يفرض قراءة جديدة وفق رؤية جديدة.
وتبقى معضلة الجمود الفكري عند المؤسسة المُمَانعة ..والتي بالغت في (صناعة القداسة الوهمية) ومن غير المتوقع أن تتساهل في ملف التجديد والبحث والاستقراء، طالما أن هناك من نصب نفسه حارساً على فكر الجمهور .
وهذا قد بَيَنَتهُ كلمات أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حيثُ يقول :
"وَ لَوْ لا اَنَّ قُرَيْشاً جَعَلَتْ اِسْمَهُ (النبي الأعظم) ذَريعَةً اِلىَ الرِّئاسَةِ ، وَ سُلَّماً اِلَى العِزِّ وَ الْأِمْرَةِ ، لَما عَبَدَتِ اللَّهَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْماً واحِداً ، وَ لاَرْتَدَّتْ فى حافِرَتِها وَ عادَ قارِعُها جَذَعاً ، وَ بازِلُها بَكْراً ، ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفُتوُحَ فَاَثَرَتْ بَعْدَ الْفاقَةِ ، وَ تَمَوَّلَتْ بَعْدَ الْجُهْدِ وَ الْمَخْمَصَةِ ، فَحَسُنَ فى عُيوُنِها مِنَ الْأِسْلامِ ما كانَ سَمِجاً ، وَ ثَبَتَ فى قُلوُبِ كَثيرٍ مِنْها مِنَ الدّينِ ما كانَ مُضْطَرِباً ، وَ قالَتْ لَوْلا اَنَّهُ حَقٌّ لَما كانَ كَذا ، ثُمَّ نَسَبَتْ تِلْكَ الْفُتُوحَ اِلى ارآءِ وُلاتِها ، وَ حُسْنِ تَدْبيرِ الْأُمَرآءِ الْقآئِمينَ بِها ، فَتَأَكَّدَ عِنْدَ النَّاسِ نَباهَةُ قَوْمٍ ، وَ وَ خُمُولُ اخرينَ.."
تعليق