تراوحت نصوص زينب العارضي بين سردية القص وسردية النص المفتوح من أجل بث روح الموقف عبر بنية تأملية تمتلك دلالات النقاش والمحاورة والاقناع، كونها تحمل رسالة مضمون وتعمل على خلق الجواذب التأثيرية عبر تنوع الأساليب، فنجدها في نص: ( هل في الشهادة خسارة ؟) بدءا من العنوان الاستفهامي الذي يفتح آفاقا فكرية وكأنها تريد أن تستدرجنا إلى العمق النصي، تهيء لنا الفكرة والأحداث وطبيعة العلاقة بين الراوي والشخصية، واستحضار الرمز لغايات التأثير الوجداني..
لم علينا أن نقدم الشهداء؟
ألا يمكن أن لا نفجع بعزيز؟
هل ينبغي أن نفقد أحبابنا كي ننتصر؟
ألا يعد ذلك خسارة؟
كيف لنا أن نعوض .....؟
وهذه المساحة قادرة على بث التصورات الفكرية والعقائدية بما يوازي ثقافة ومعرفة المتلقي، أي أن الاستفهام وجد من أجل توظيف الفكرة عبر الجواب مثلا:
( طريق ألآحرار معبد بالدماء) أو نقرأ ( نهج الاخيار مليء بالتضحيات ..) بمعنى ارتكاز الجواب على الهدف لا بد أن يمتلك القدرة على أن يبث الأحاسيس الشعورية مع معطيات الواقع ، بمنحى تربوي / تضحوي / تعليمي / ..
الناصة زينب العارضي تبحث في معنى الشهادة على المستوى الشخصي ـ باعتباره فوزا، وعلى مستوى المجتمع بأنه ربح مفتوح؛ كون تلك الدماء تتحول إلى حصن عز / الشهادة باعتبارها محمولا ثقافيا / دينيا تعرفها بأنها ليست موتا وانما هي: ( اولا ) اختيار واعٍ، / الشهداء يعيدون تشكيل الحياة بزخم أكبر، حضور المفهوم المقدس في عناوين التضحية ما تسميه الكاتبة: ( المعادل الموضوعي للحياة ). واستمرت لغة النص إلى ( أولا ) ضخ الشعرية في النص مثلاً: ( يسقون الأرض بالدماء فتورق وتثمر شجرة الحرية ) أو نقرأ: ( ارتضعوا حب الإسلام مع اللبن المعتق بحب أئمة أهل البيت عليهم السلام ).. تساقطوا في الميدان كوريقات شجر اضناها الشوق إلى الرحيل )..
وثانيا: الدخول إلى عوالم قصة ضمنية...
وفي نص: ( شذا النجيع ) تستخدم السرد الخبري للكشف عن مضمون الحدث والسردية الشعورية والعودة دائما إلى منطلق المضمون التضحوي (كربلاء) والارتكاز على بث الدرس الوعظي بأسلوب يتوافق والأحداث، وبغير هذه اللغة يضعف التأثير ..
البحث عن الصورة الشغف الوطني الانساني التضحوي مثلا نقرأ: ( تنطق بلسان الوعي والبصيرة أن على كل واحد منا أن يكون جنديا مرابطا على الثغور في البيت والمدرسة والشارع والجامعة والعمل )، خطاب تعبوي يشعر المتلقي بحيوية الحراك الفكري لبعث الحماس ، بهذا سيكسب المتلقي عبر الشعور ، والإيمان بالقضية..
وفي نص: ( العيد في بيت الشهيد ) ترتكز على ثنائية التقابل: ( الفرح× الالم ) ( الزعل × الرضا ) ( اليتم × الحياة ) ( الفقر × الاستغناء ) نقرأ مثلا: ( هم بحاجة إلى من يبلسم جراحهم ويمد يده ليمسح على رؤوسهم ، ويخفف عنهم ...) (هنيئا لمن يفكر في زيارة بيت الشهيد قبل زيارة الاصدقاء)، نجد أن الفكر السامي فعلا هو الذي يحث على فعل الخير ، ويرى أهل النقد من الحمق أن يعد فنانا راقيا من لم يصبغ فنه بالصبغة الاخلاقية، ويعتمد على بث روحية المشاعر الانسانية ، الخير هو الجمال والخير هو القوة الحقيقية، والوجدان الذي يبعث لذة القراءة في ثنائية ( الزعل × الرضا ) يقول الله لملائكته / يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم فاني اشهدكم أن لمن ارضاه أن أرضيه يوم القيامة )، وهكذا تستثمر الثنائيات؛ لتخلق منها محفزات شعورية وتشتغل على موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتحريض (لام الالتماس)؛ كون المخاطب المجتمع.. ( لنجعل هذا العيد مختلفا ) لنمد اليد فنمسح على رؤوس ايتامه / لنأخذهم في نزهة مع اطفالنا / لندخل / لنمد / ...
وفي نص رسالة جريح ): ( إلهي خذ مني نجيعي وتقبل مني الجراح، هاهو فيض دمي يخبرك أنني خضبته فيك ) ضخ المضامين التضحوية المؤثرة، فالجريح مصر على المشاركة والتحريض على الخير والحث على روح التفاعل، وجدت هذه الأساليب هي التي تتكرر في جميع نصوصها، لكن التجدد في كل نص عبر لغة الوصف السردي المؤثر، ففي نص: ( همسة يتيمة ) لقد علمتني أمي أن الدمع وقود الثبات على الدرب القويم وصك الأمان على الصراط المستقيم )، هنا يشتغل الإيحاء الوعظي، (علمتني أن الدمعة ثورة / وصرخة استنكار حرة ، تحفظ ذكرى الشهداء وتحث النفوس على الاقدام والفداء ) بمعنى أن الدمعة ليست انكسارا، الأدب الذي يرثي الشهداء والرموز المقدسة برثاء الانكسار هو أدب غير معبر عن حقيقة الشهادة، وهذا يعد اختلافا صريحا مع الواقع، قدمت لنا الناصة ( زينب العارضي ) رؤيتها عن الواقع الفكري لمعنى البذل والتضحية، الابداع يعبر عن الحقيقة ويعبر عن الدين / الحياة / الانسان؛ لأن مثل هذا الابداع يصدر من الحياة ويغذي الحياة ، ورؤية الدين هو الحياة والناس والانسانية ومقوماتها الدين الصادق.