بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في خطبة له يتحدث فيها عن الرسول المصطفى (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ( أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ وشَاهِداً عَلَى الْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَانٍ ولا مُقَصِّرٍ وجَاهَدَ فِي اللَّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ ولا مُعَذِّرٍ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وبَصَرُ مَنِ اهْتَدَى )، نهج البلاغة ، الخطبة 116.
أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ وشَاهِداً عَلَى الْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ :-
قَالَ اللهُ تَعالَى في كتابِهِ المَجيدِ:﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ﴾، سُورَةُ الفتح الآية 28 .
وَقَالَ تَعالَى :﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾، سُورَةُ الإسراء ،الآية 96.
وَقَالَ تَعالَى :﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِاُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾، سُورَةُ الأنعامِ،الآية ۱۹.
أهناك شهادة أعظم من شهادة ربّ العالمين؟ ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ وهل هناك دليل أكبر من هذا القرآن؟: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ ﴾، هذا القرآن الذي لا يمكن أن يكون وليد فكر بشري، خاصّة في تلك الظروف الزّمانية والمكانية، هذا القرآن الذي يضمّ مختلف الشواهد على إِعجازه، فألفاظه معجزة، ومعانيه معجزة، أليس هذا الشاهد الكبير وحده كاف لأن يكون تصديقاً إِلهياً للدعوة !!.
يستفاد من هذه العبارة أيضاً أنّ القرآن أعظم معجزة وأكبر شاهد على صدق دعوة رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ).
ثمّ يشير إِلى هدف نزول القرآن ويقول: ﴿ لِاُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ أي أنّ القرآن قد نزل عليّ لكي أنذركم، وأنذر جميع الذين يصل إِليهم ـ عبر تاريخ البشر، وعلى إمتداد الزمان وفي أرجاء العالم كافة ـ كلامي، وأحذرهم من عواقب عصيانهم .
يلاحظ هنا أنّ الكلام مقتصر على الإِنذار مع أنّ خطابات القرآن تجمع غالباً بين الإِنذار والبشرى، والسبب في ذلك يعود إِلى أنّ الكلام موجه هنا إِلى أفراد معاندين مصرين على المكابرة، ولا يمكن أن نتصور في الواقع عبارة أوجز وأشمل لبيان المقصود من هذه العبارة، وما فيها من دقّة وسعة يزيل كل إِيهام في عدم اختصاص دعوة القرآن بالعرب أو بزمان أو مكان معينين .
بعض العلماء استدلوا بهذا التعبير وأمثاله على ختم النّبوة برسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ،فهذه الجملة تعني أنّ الرّسول قد بعث إلى جميع الذين تصلهم دعوته، وهذا يشمل جميع الذين يردون الحياة حتى نهاية العالم
يقولُ العلامة الطباطبائي : وقوله : ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِاُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ يدل على عموم رسالته (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالقرآن لكل من سمعه منه أو سمعه من غيره إلى يوم القيامة ، وإن شئت فقل : تدل الآية على كون القرآن الكريم حجة من الله وكتابا له ينطق بالحق على أهل الدنيا من لدن نزوله إلى يوم القيامة .
وقد قيل : ﴿ لِاُنْذِرَكُمْ بِهِ ﴾ ولم يقل : لأنذركم بقراءته فالقرآن حجة على من سمع لفظه وعرف معناه واهتدى إلى مقاصده ، أو فسر له لفظه وقرع سمعه بمضامينه فليس من شرط كتاب مكتوب إلى قوم أن يكون بلسانهم بل أن تقوم عليهم حجته وتشملهم مضامينه ، وقد دعا (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بكتابه إلى مصر والحبشة والروم وإيران ولسانهم غير لسان القرآن ، وقد كان فيمن آمن به في حياته وقبل إيمانهم سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وعدة من اليهود ولسانهم عبري هذا كله مما لا ريب فيه .
قوله تعالى : ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ ﴾ إلى آخر الآية ، لما ذكر شهادة الله وهو أكبر شهادة على رسالته ولم يرسل إلا ليدعوهم إلى دين التوحيد ، وليس لأحد بعد شهادة الله سبحانه على أن لا شريك له في ألوهيته أن يشهد أن مع الله آلهة أمر نبيه أن يسألهم سؤال متعجب منكر : هل يشهدون بتعدد الآلهة ، وهذا هو الذي يدل عليه تأكيد المسئول عنه ب {أنَّ واللام} ، كأن النفس لا تقبل أن يشهدوا به بعد أن سمعوا شهادة الله تعالى . تفسير الميزان ، ج 7 ، ص 20.
[تفسير القمي ] ، فِي رِوَايَةِ أَبِي اَلْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : فِي قَوْلِهِ: ﴿ قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً... ﴾: ( وذلك أنّ مُشرِكي أهلِ مَكّةَ قالوا : يا محمّدُ ، ما وَجَدَ اللَّهُ رَسولاً يُرسِلُهُ غيرَكَ ؟! ما نَرى أحَداً يُصَدِّقُكَ بالّذي تَقولُ ، وذلكَ في أوّلِ ما دَعاهُم وهُو يَومَئذٍ بمَكّةَ ، قالوا : ولَقد سَألْنا عنكَ اليَهودَ والنّصارى فزَعَموا أنّهُ لَيسَ لَكَ ذِكرٌ عِندَهُم ،فَأتِنا بمَن يَشهَدُ أنّكَ رسولُ اللَّهِ ! قالَ رسولُ اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : ﴿ اللَّهُ شَهيدٌ بَيني وبَينَكُم ﴾ اَلْآيَةَ قَالَ: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى ﴾ يَقُولُ اَللَّهُ لِمُحَمَّدٍ فَإِنْ شَهِدُوا فَلاٰ تَشْهَدْ مَعَهُمْ قَالَ: ﴿ قُلْ لاٰ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمٰا هُوَ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ ﴾، سُورَةُ الأنعامِ،الآية 19،)، بحار الأنوار ،ج 18 ،ص 235 ، 78.
وعن الكلبي : ( أتى أهلُ مَكّةَ النّبيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقالوا : ما وَجَدَ اللَّهُ رَسولاً غَيرَكَ ؟ ! ما نَرى أحَداً يُصَدِّقُكَ فيما تَقولُ ، ولقد سَألنا عنكَ اليَهودَ والنَّصارى فزَعَموا أنّه لَيسَ لَكَ عِندَهُم ذِكرٌ ، فأرِنا مَن يَشهَدُ أنّكَ رسولُ اللَّهِ كما تَزعُمُ ، فنَزَلَ : ﴿ قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكبَرُ شَهادَةً ... ﴾ الآية ، وقالوا : العَجَبُ أنّ اللَّهَ تعالى لَم يَجِدْ رَسُولاً يُرسِلُهُ إلَى النّاسِ إلّا يَتيمَ أبي طالبٍ ! فنَزَلَ : ﴿ الر تِلكَ آياتُ الكِتابِ الحَكيمِ * أكانَ لِلنّاسِ عَجَباً اِنْ اَوحَينا اِلى رَجُل مِنهُم اَن اِنذِر النّاس... ﴾، سُورَةُ يونس ،الآيتان 1 و 2)، بحار الأنوار ،ج18 ،ص 235 ،ح 78.
وقال الطبرسي قيل : ( إنّ أهل مكّة قالوا لرسول اللّه : يا محمّد تركت ملة قومك ، وقد علمنا أنّه لا يحملك على ذلك الّا الفقر ، فإنّا نجمع لك من أموالنا حتّى تكون أغنانا ، فنزلت الآية : ﴿ قُلْ أيُّ شَيْءٍ أكْبَرُ شَهادَةً...﴾ )، مجمع البيان ، ج 4 ، ص 433.
وفي [تفسير القمي ] : ﴿ اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ اَلْكِتٰابَ يَعْرِفُونَهُ كَمٰا يَعْرِفُونَ أَبْنٰاءَهُمُ ﴾ اَلْآيَةَ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ قَالَ لِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ هَلْ تَعْرِفُونَ مُحَمَّداً فِي كِتَابِكُمْ قَالَ نَعَمْ وَ اَللَّهِ نَعْرِفُهُ بِالنَّعْتِ اَلَّذِي نَعَتَهُ اَللَّهُ لَنَا إِذَا رَأَيْنَاهُ فِيكُمْ كَمَا يَعْرِفُ أَحَدُنَا اِبْنَهُ إِذَا رَآهُ مَعَ اَلْغِلْمَانِ وَ اَلَّذِي يَحْلِفُ بِهِ اِبْنُ سَلاَمٍ لَأَنَا بِمُحَمَّدٍ هَذَا أَشَدُّ مَعْرِفَةً مِنِّي بِابْنِي ﴿ قَالَ اَللَّهُ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ ﴾، سُورَةُ الأنعامِ،الآية 20،)، بحار الأنوار ، ج15، ص180.
تعليق