بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
لقد أعد النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أهل بيته فاطمة وعلياً والحسنين (عَلَيْهَمُ السَّلاَمُ) لمرحلة ما بعده .. فلا تنقصهم المعلومات ولا التوجيهات ، ولا اليقين بما سيكون ، فقد حكاه الله لنبيّه مفصلاً فحكاه لهم ، فآمنوا به على مستوى الحسّ لا الحدس ، وأخذ عليهم النبي العهد والميثاق أن يصبروا ويعملوا لإنقاذ ما يمكن ، وأعطوه العهد على ذلك عن إيمان ورضا ، ووطنوا أنفسهم على العطاء لله من حقّهم وكرامتهم حتّى يرضى !
لكن هذا اليقين لا يمنع فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) أن تستشرف صور الفتنة ، وعواصفها المزمجرة ، كلّما اقتربت أيّام وصولها ، فتبكي لأبيها العطوف الحنون ، لكي يشاركها بدمعة قبل أن يرحل ! ويقول لهؤلاء في أنفسهم قولاً بليغاً ، فيسمع موقفه من أصحابه من لم يسمعه ، لعلّ ذلك يخفّف من موج العاصفة !
أخبرها النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنّ الله تعالى قضى على هذه الأمّة كما قضى على الأمم السابقة ، أن يعطيها الحريّة لاختيار الضلال إن شاءت ، ما دامت لم ترتفع إلى مستوى من التقوى فتفرق عمليّاً بين القيادة المعيّنة من الله تعالى ، والمعيّنة من القبائل المتغلّبة ! وأنّ امتحان العترة قريب ! وأنّ عاصفة قريش الطلقاء لا تبعد أكثر من ساعة عن وفاته حتّى تزمجر ! فقد ذهبا إلى السقيفة يتعاديان ليصفق عمر على يد أبي بكر ويعلنه خليفة ، بعد أن ناقشا لنصف ساعة أو أقلّ سعد بن عبادة المريض وبضعة نفر حوله ! ثمّ جاء دور ألوف الطلقاء الذين حشدوهم في المدينة لثبيت السلطة الجديدة ، وتنفيذ اضطهاد آل محمّد(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)!
أخبرها أنّهم سيفتحون عليهم باب الإضطهاد حتّى يضجّ منه التاريخ ! فيعيشون وشيعتهم مظلومين مقهورين ، ما بين مقتول ومسموم ومسجون ومشرد وخائف على دمه ، حتّى يظهر مهديّهم الموعود .
بكى النبي لبكاء فاطمة ، وقال لها نعم سيكون ما تخشين ، لكن ربّنا عزّ وجلّ أكرمنا وفضّلنا ، وعلينا أن ندفع ضريبة العبوديّة الكاملة له ، وهي ضريبة لأيّام قليلة تعقبها راحة طويلة. إن عمر الدنيا القصير يسهل الأمر ، يا بنيّة !
كانت فاطمة ترى الأمور تسير نحو الكارثة على الاسلام وعترة نبيّه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بمجرّد أن يغمض النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عينيه ويلاقي ربّه !
فأيّدها النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبكى لها ، وهدَّأها ، طمأنها بأنّ ذلك ضريبة عبوديّة هذه الأسرة المصطفاة لربّها عزّ وجلّ ، ففرحت الحزينة ! تقول في فرحها لنعم الله : سمعاً وطاعة يا أبتاه .. تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول إلّا ما يرضي الربّ فرضا الله رضانا أهل البيت ، وليقترف الناس ما هم مقترفون !
عَنْ أَبِي اَلطُّفَيْلِ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: ( لَمَّا حَضَرَتْ رَسُولَ اَللَّهِ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)اَلْوَفَاةُ دَعَا بِعَلِيٍّ (عَلَيهِ السَّلاَمُ) فَسَارَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ يَا عَلِيُّ أَنْتَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي قَدْ أَعْطَاكَ اَللَّهُ عِلْمِي وَ فَهْمِي فَإِذَا مِتُّ ظَهَرَتْ لَكَ ضَغَائِنُ فِي صُدُورِ قَوْمٍ وَ غصب [غُصِبْتَ ] عَلَى حِقْدٍ [حَقِّكَ] فَبَكَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَ بَكَى اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ فَقَالَ لِفَاطِمَةَ يَا سَيِّدَةَ اَلنِّسْوَانِ مِمَّ بُكَاؤُكِ قَالَتْ يَا أَبَةِ أَخْشَى اَلضَّيْعَةَ بَعْدَكَ قَالَ أَبْشِرِي يَا فَاطِمَةُ فَإِنَّكِ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَ لاَ تَبْكِي وَ لاَ تَحْزَنِي فَإِنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ أَبَاكِ سَيِّدُ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ اِبْنُ عَمِّكِ خَيْرُ اَلْأَوْصِيَاءِ وَ اِبْنَاكِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ مِنْ صُلْبِ اَلْحُسَيْنِ يُخْرِجُ اَللَّهُ اَلْأَئِمَّةَ اَلتِّسْعَةَ مُطَهَّرُونَ مَعْصُومُونَ وَ مِنَّا مَهْدِيُّ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَقَالَ يَا عَلِيُّ لاَ يَلِي غُسْلِي وَ تَكْفِينِي غَيْرُكَ فَقَالَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَنْ يُنَاوِلُنِي اَلْمَاءَ فَإِنَّكَ رَجُلٌ ثَقِيلٌ لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أُقَلِّبَكَ فَقَالَ إِنَّ جَبْرَئِيلَ مَعَكَ وَ اَلْفَضْلَ يُنَاوِلُكَ اَلْمَاءَ وَ لْيُغَطِّ عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ لاَ يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلاَّ اِنْفَقَأَتْ عَيْنَاهُ قَالَ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَ اَلْفَضْلُ يُنَاوِلُهُ اَلْمَاءَ وَ جَبْرَئِيلُ يُعَاوِنُهُ فَلَمَّا أَنْ غَسَّلَهُ وَ كَفَّنَهُ أَتَاهُ اَلْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوا اَلنَّبِيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالْبَقِيعِ وَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى اَلنَّاسِ فَقَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَ إِمَامَنَا حَيّاً وَ مَيِّتاً وَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَعَنَ مَنْ جَعَلَ اَلْقُبُورَ مُصَلًّى وَ لَعَنَ مَنْ جَعَلَ مَعَ اَللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَ لَعَنَ مَنْ كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ وَ شَقَّ لِثَتَهُ قَالَ فَقَالُوا اَلْأَمْرُ إِلَيْكَ فَاصْنَعْ مَا رَأَيْتَ قَالَ فَإِنِّي أَدْفِنُ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي اَلْبُقْعَةِ اَلَّتِي قُبِضَ فِيهَا قَالَ ثُمَّ قَامَ عَلَى اَلْبَابِ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَ أَمَرَ اَلنَّاسَ عَشْراً عَشْراً يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ )، بحار الأنوار ، ج22، ص536.
وروى الصدوق ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلاَلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَلْمَانَ اَلْفَارِسِيَّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: ( كُنْتُ جَالِساً بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي مَرْضَتِهِ اَلَّتِي قُبِضَ فِيهَا فَدَخَلَتْ فَاطِمَةُ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) فَلَمَّا رَأَتْ مَا بِأَبِيهَا مِنَ اَلضَّعْفِ بَكَتْ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهَا عَلَى خَدَّيْهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): مَا يُبْكِيكِ يَا فَاطِمَةُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَخْشَى عَلَى نَفْسِي وَ وُلْدِي اَلضَّيْعَةَ بَعْدَكَ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ يَا فَاطِمَةُ أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اِخْتَارَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَنَا اَلْآخِرَةَ عَلَى اَلدُّنْيَا وَ أَنَّهُ حَتَمَ اَلْفَنَاءَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ وَ أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اِطَّلَعَ إِلَى اَلْأَرْضِ اِطِّلاَعَةً فَاخْتَارَنِي مِنْ خَلْقِهِ فَجَعَلَنِي نَبِيّاً ثُمَّ اِطَّلَعَ إِلَى اَلْأَرْضِ اِطِّلاَعَةً ثَانِيَةً فَاخْتَارَ مِنْهَا زَوْجَكِ وَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَكِ إِيَّاهُ وَ أَتَّخِذَهُ وَلِيّاً وَ وَزِيراً وَ أَنْ أَجْعَلَهُ خَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي فَأَبُوكِ خَيْرُ أَنْبِيَاءِ اَللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ بَعْلُكِ خَيْرُ اَلْأَوْصِيَاءِ وَ أَنْتِ أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِي مِنْ أَهْلِي ثُمَّ اِطَّلَعَ إِلَى اَلْأَرْضِ اِطِّلاَعَةً ثَالِثَةً فَاخْتَارَكِ وَ وَلَدَيْكِ فَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ اِبْنَاكِ حَسَنٌ وَ حُسَيْنٌ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ أَبْنَاءُ بَعْلِكِ أَوْصِيَائِي إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ كُلُّهُمْ هَادُونَ مَهْدِيُّونَ وَ أَوَّلُ اَلْأَوْصِيَاءِ بَعْدِي أَخِي عَلِيٌّ ثُمَّ حَسَنٌ ثُمَّ حُسَيْنٌ ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ فِي دَرَجَتِي وَ لَيْسَ فِي اَلْجَنَّةِ دَرَجَةٌ أَقْرَبَ إِلَى اَللَّهِ مِنْ دَرَجَتِي وَ دَرَجَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ أَ مَا تَعْلَمِينَ يَا بُنَيَّةِ أَنَّ مِنْ كَرَامَةِ اَللَّهِ إِيَّاكِ أَنَّ زَوْجَكِ خَيْرُ أُمَّتِي وَ خَيْرُ أَهْلِ بَيْتِي أَقْدَمُهُمْ سِلْماً وَ أَعْظَمُهُمْ حِلْماً وَ أَكْثَرُهُمْ عِلْماً فَاسْتَبْشَرَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَ فَرِحَتْ بِمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّةِ إِنَّ لِبَعْلِكِ مَنَاقِبَ إِيمَانُهُ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي وَ عِلْمُهُ بِ كِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّتِي وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعْلَمُ جَمِيعَ عِلْمِي غَيْرَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ عَلَّمَنِي عِلْماً لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرِي وَ عَلَّمَ مَلاَئِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ عِلْماً فَكُلُّ مَا عَلَّمَهُ مَلاَئِكَتَهُ وَ رُسُلَهُ فَأَنَا أَعْلَمُهُ وَ أَمَرَنِيَ اَللَّهُ أَنْ أُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ فَفَعَلْتُ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعْلَمُ جَمِيعَ عِلْمِي وَ فَهْمِي وَ حِكْمَتِي غَيْرُهُ وَ إِنَّكِ يَا بُنَيَّةِ زَوْجَتُهُ وَ اِبْنَاهُ سِبْطَايَ حَسَنٌ وَ حُسَيْنٌ وَ هُمَا سِبْطَا أُمَّتِي وَ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهْيُهُ عَنِ اَلْمُنْكَرِ فَإِنَّ اَللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ آتَاهُ اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ اَلْخِطَابِ )، كمال الدين ، ص 662 ، ح 10.
ورواه القاضي النعمان ، عن أبي سعيد الخدري ، والطبري الشيعي في المسترشد ص 613 ، بتفصيلات أخرى .. الخ .
( يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَخْشَى عَلَى نَفْسِي وَ وُلْدِي اَلضَّيْعَةَ بَعْدَكَ!)، كتاب سُليم،ج2،ص565.
ممّن ؟ من هؤلاء الجالسين حول أبيها ، الذين حدّثها بما هم فاعلون !
فاغرورقت عينا رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بالبكاء ! ممّن ؟ من زعماء قريش الجالسين حوله ! الذين أخبره ربّه أنّ عاصفتهم بالباب ، تنتظر أن يغمض عينيه لتعصف بالإسلام وبالترتيبات الربانيّة له ! وأنّ بيت فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) سيكون أوّل هدفهم فيهدّدونهم بإحراق البيت على من فيه ، إن لم يعترفوا بشرعيّة إمام بطون قبائل قريش !!
لقد أعد النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أهل بيته فاطمة وعليا والحسنين (عَلَيْهَمُ السَّلاَمُ)لمرحلة ما بعده.. فلا تنقصهم المعلومات ولا التوجيهات، ولا اليقين بما سيكون، فقد حكاه الله لنبيه مفصلا فحكاه لهم، فآمنوا به على مستوى الحس لا الحدس، وأخذ عليهم النبي العهد والميثاق أن يصبروا ويعملوا لإنقاذ ما يمكن، وأعطوه العهد على ذلك عن إيمان ورضا، ووطنوا أنفسهم على العطاء لله من حقهم وكرامتهم حتى يرضى !
لكن هذا اليقين لا يمنع فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) أن تستشرف صور الفتنة، وعواصفها المزمجرة، كلما اقتربت أيام وصولها، فتبكي لأبيها العطوف الحنون، لكي يشاركها بدمعة قبل أن يرحل! ويقول لهؤلاء في أنفسهم قولا بليغا، فيسمع موقفه من أصحابه من لم يسمعه، لعل ذلك يخفف من موج العاصفة !
أخبرها النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أن الله تعالى قضى على هذه الأمة كما قضى على الأمم السابقة، أن يعطيها الحرية لاختيار الضلال إن شاءت، ما دامت لم ترتفع إلى مستوى من التقوى فتفرق عمليا بين القيادة المعينة من الله تعالى، والمعينة من القبائل المتغلبة! وأن امتحان العترة قريب! وأن عاصفة قريش الطلقاء لا تبعد أكثر من ساعة عن وفاته حتى تزمجر! فقد ذهبا إلى السقيفة يتعاديان ليصفق عمر على يد أبي بكر ويعلنه خليفة، بعد أن ناقشا لنصف ساعة أو أقل سعد بن عبادة المريض وبضعة نفر حوله! ثم جاء دور ألوف الطلقاء الذين حشدوهم في المدينة لثبيت السلطة الجديدة، وتنفيذ اضطهاد آل محمد (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) !
أخبرها أنهم سيفتحون عليهم باب الاضطهاد حتى يضج منه التاريخ! فيعيشون وشيعتهم مظلومين مقهورين، ما بين مقتول ومسموم ومسجون ومشرد وخائف على دمه، حتى يظهر مهديهم الموعود .
بكى النبي لبكاء فاطمة، وقال لها نعم سيكون ما تخشين، لكن ربنا عز وجل أكرمنا وفضلنا، وعلينا أن ندفع ضريبة العبودية الكاملة له، وهي ضريبة لأيام قليلة تعقبها راحة طويلة. إن عمر الدنيا القصير يسهل الأمر، يا بنية!
تعليق