قراءة القصة القصيرة بما تمتلك من طاقة تعبيرية وإمكانات غنية جمالية وإبداعية ، تجعلنا أمام مسؤولية التلقي لمعرفة مستويات الإقناع والموقف والرؤية الساعية لتحقيق هدف المنجز ، وقصة قمر يعانق السماء / القاص عبد الله الميالي ) امتلكت التنوع الأسلوبي المؤثر من حيث اختيار الحدث والرموز التاريخية التي شكلت وجدان المتلقي، تتجلى أهمية هذا الاختبار الصعب لقصة تاريخية معروفة ورموز معروفين من قبل المتلقي ، إعادة القصة بمرتكزات أسلوبية تثير في نفس المتلقي الدهشة وتدفعه الى التأمل في وجدانية الحدث ، بعد كل تلك القرون ، تستمد قيم الدلالة من طاقات تصويرية امتلكت دلالات إبداعية ، ، ترسم لنا التصور الكلي للحدث وانعكاساته لإبراز قيمة الموقف الإنساني/ الرؤية التي اعتمدها لخلق تلك الفزعة التأملية في روح الحدث ، لتقديمها بما يشبه التهيئة المسبقة للولوج الى عوالمه عبر الاستهلال الوصفي الشعري (يطوي المدى مثقلا برسالة الولاء ، يحمل بين جوانحه اشتعال ثورة ولهفة عشق ) لنتأمل في شعرية الاستهلال ( يعانقه عشق الوصول وهو يلمح فوق البيوت أزمنة تتعرى ) إعادة الحدث التاريخي يحتاج إلى مرونة أسلوبية بعيدا عن الكان كان وسرديات الروزخون ، تنتج لنا الدلالة وتقدم الحكاية التاريخية بصور جديدة تشد المتلقي إلى العوالم افق المستحدث بانزياحات دلالية تعتمد على انسنة الاشياء والانسنة طريقة ابداعية لها مميزات جذب متمكنة فهو يقدم لنا سعفات النخيل تهمس بينهما ) ورمال الصحراء تبكي حيرة الرمز ونعيب يلوح والنبضات تهتف ،والنخيل تنتحب ، والسيف يصرخ ، الابواب تغلق وجهها دونه ،وهذه الانسنة بمعطى انزياحاتها كونت جمالية القصة ، وزادت في الأثر الانفعالي لدى المتلقي ، ومن الأساليب الاخرى ارتكز عليها النص القصصي هو المسعى الاستفهامي الذي غالبا ما يكون وليد الانزياحات ويساعد على كشف دلالات المعاني وترسيخها في ذهنية المتلقي ، بأدواته المختلفة واغراضه البلاغية المتعددة والتي تظهر من خلال قوة تلك الاستفهاميات منها أسئلة حوار داخلي ومنها أسئلة حوار خارجي للخطاب المباشر ، تعبر عن الحالا ت الانفعالية التي تسيطر على الراوي وتضغط على نفسيته
:ـ أين اختفت تلك الألوف ؟
:ـ اين تلك الوعود والعهود ؟
:ـ أين صليل السيوف وقعقعة الرماح ؟
:ـ أين حمحمة وصهيل الخيول ؟
تكوين الجملة الاستفهامية تغازل ذاكرة المتلقي كونه هو ابن الحكاية ، ولذلك تحقق القصة الانتشار والقبول من خلال خلق جديد لمجموعة الأسئلة التي تم انتقاؤها بعناية ، حين تخاطب طوعة ابنها بلال
:ـ لماذا خنت الأمانة يا ولدي ؟
:ـ لماذا ترمي بسهم الخسوف على قمر حائر حط في بيتنا ؟
:ـ لماذا تغرس في قلب أمك خنجرا من عذاب الضمير ؟
حققت القصة حضورها بعمليات الاسترجاع والعودة إلى الذ1اكرة لرسم جذور الموقف التاريخي ، الذي يعد حنو طوعة من ملهمات التأريخ وبيع بلال ابنها لمرؤته أيضا من نفس جذر المرجع التاريخي ،حفظ الامانة يقابلها التضاد ابن الوشاية ، الوجع الذي ينتاب المتلقي المتأمل في القصة ، ان تلد الوشاية والذبول ( بلال ) من رحم االحنو والثبات ( طوعة) تلك محنة التواريخ ، وتحفل القصة باستباقية الرؤى لترسم العالم العناق الأبدي مع السماء وتحدى التذبذب عن قوم قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه ليحرق قلوبهم لهيب الندم ، قصة في غاية العطاء الفكري توسمت ترسيخ المعنى بعيدا عن رثائيات الانكسار ،
&&&