مقدمة تاريخية
القارئ للتاريخ العربي يتعجب من تلك العادات الجاهلية التي كانوا يعيشون في ظلمها لا سيما العادات والتقاليد تجاه المرأة، فيوجزها الإمام الشيرازي الراحل بقوله: "حالة المرأة عند العرب الجاهليين الذين كانوا قاطنين في شبه الجزيرة... إذ كانوا لا يرون للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة ولا شرافة، وكانت النساء لا تورَّث، وكانت تلك القبائل من العرب يئدون البنات، حيث ابتدأ في ذلك بنو تميم لواقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر أسرت فيها عدة من بناتهم فأغضبهم ذلك فابتدروا بالوأد قضاءً على المرأة، ثم سرت العادة في غيرهم من القبائل.
وخير وصف لذلك ما جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبه الشريفة وقد وصف حال العرب قبل الإسلام فقال: (فَالأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ، والأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ، والْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ، فِي بَلاءِ أَزْلٍ، وأَطْبَاقِ جَهْلٍ، مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ، وأَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ، وَأَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ، وغَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ، فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولاً، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ، كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا، وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا، فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ، وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ) (نهج البلاغة: خ192 القاصعة)
وهنا نعرف كم كانت المنَّة من الله الحنان المنان على البشرية عامة، والعرب خاصة ببعثة الحبيب المصطفى (ص)، فهي الرسالة التي أعادت القيم الإنسانية، إلى البشر بعد أن فقدوها أو كادوا أن يفقدوها كما نرى ونعيش في هذا العصر الأغبر، حيث الحضارة الرقمية أحالت كل القيم إلى المادة وراحت تقيس كل الفضائل والقيم بالمادة التي لا قيمة حقيقية لها إلا بما تخدم الإنسان، حتى جعلوا قيمة الإنسان كقيمة البرغي في الآلة والروبوت الصناعي.
وكان أبشع وأشنع تلك العادات هي الوأد للبنات فكان قوم من العرب يئدون البنات، قيل: إنهم بنو تميم خاصة، وإنه استفاض منهم في جيرانهم، وقيل: بل كان ذلك في تميم، وقيس، وأسد، وهذيل، وبكر بن وائل، وقال قوم: بل وأدوا البنات أنفة، والوأد أن يخنقها في التراب ويثقل وجهها به حتى تموت، قال سبحانه: (وإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8-9)، أي: على طريق التبكيت والتوبيخ لمَنْ فعل ذلك أو أجازه.
روى الزبير بن بكار في (الموفقيات): "إن أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري: ما حملك على أن وأدت؟ قال: مخافة أن يخلُف عليهن مثلك". (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج13 ص177)
وقال ابن عباس: "كانت المرأة - في الجاهلية - إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة، وقعدت على رأسها، فإن ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإن ولدت غلاماً حبسته". (بحار الأنوار: ج7 ص93)
وقيل: كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ويغذو كلبه، فعاتبهم الله على ذلك، وتوعدهم (في الآية الكريمة)، كحالنا الكثيرين في هذا العصر يعيش مع الكلاب والحيوانات ويتزوج منهم أيضاً.
ويروي لنا سماحة الإمام الشيرازي الراحل (رحمه الله) قصة تبيِّن مدى القساوة والظلم الذي كان يلحق المرأة والبنت في الجاهلية، أن رجلاً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كان لايزال مغتماً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما لك تكون محزوناً؟)، فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنباً في الجاهلية، فأخاف أن لا يغفره الله لي وإن أسلمتُ! فقال له: (أخبرني عن ذنبك؟).
فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إليَّ امرأتي أن أتركها، فتركتها حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي.
فسرّت بذلك وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت عليَّ المواثيق بأن لا أخونها، فذهبت بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر، ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر، فالتزمتني وجعلت تبكي، وتقول: يا أبتِ، أيش تريد أن تفعل بي! فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت عليَّ الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبتِ لا تضيع أمانة أمي، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبتِ، قتلتني، فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت.
فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، وقال: (لو أمرت أن أعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك). (تفسير القرطبي: ج7 ص97)
وهكذا كانت تُظلم المرأة بكل قسوة، ولم تكن تحظى بنظرة التقدير والاحترام في المجتمع الجاهلي والقَبَلي قبل الإسلام، فهي تابعة لأبيها أو لزوجها، ولا يحق لها التصرف بأي شيء لأنها وما تملك لوليِّها.. وقد كان من حق الولد أن يمنع أرملة أبيه من الزواج، بمجرد أن يضع عليها ثوبه فيرثها، بل كان له أن يتزوجها وبغير مهر إن شاء، أو يزوجها لمن يشاء ويأخذ مهرها.. وكانت هذه العادة سائدة حتى بُعث نبي الرحمة والإنسانية الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله). (المرأة في المجتمع المعاصر؛ السيد محمد الشيرازي: ص33)
فكم كان الإسلام عظيماً، ورسوله العظيم كريماً، إذ أعطوا المرأة حقوقها كاملة فسوَّاها بالرجال من حيث الكرامة والإنسانية والشخصية الاعتبارية، بل وجعل الرجل خادماً لها وهي ملكة في بيتها، وسمَّى العقد عليها حصناً وتحصيناً لها ولشرفها وعزتها وكرامتها في المجتمع، وها هي الجاهلية تعود بنا من جديد لتخطف المرأة وتعود بها إلى تلك العهود السحيقة ولكن بعناوين برَّاقة تخطف عيونها، وتأسر لبَّها وعقلها كالحرية، والتساوي، والمشاركة في كل ظروف وشؤون الحياة، والإسلام يحفظ لها ذلك كله مع حفظ كرامتها وشرفها وعفتها، وأولئك الأشرار لا يستهدفون منها إلا هدر ذلك كله وتحويلها إلى دمية ولعبة قذرة لأهوائهم الحيوانية وغرائزهم البهيمية.
ولادة السيدة زينب (ع)
اختلف العلماء في تحديد ولادة هذه السيدة الجليلة (ع)، والباحث في التاريخ الإسلامي يستغرب من الاختلاف الكبير في كل ما يتصل بأل البيت الأطهار (ع) في كل شيء لا سيما الولادة، والشهادة، وذلك من أجل تضييع حقهم الثابت في رقاب الأمة الإسلامية، فمودتهم هي أجر الرسالة كما في قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى: 23)، فكل مَنْ يدخل في حرم الرسالة المباركة، والدِّين الإسلامي القويم، يجب أن يُؤدي أجراً لذلك بمودة أهل البيت الأطهار (ع).
يقول الإمام الراحل (قدس سره) في بيان حقيقة الاختلاف: "إن تاريخ المعصومين (عليهم السلام) من الأنبياء السابقين، ورسول الله، وفاطمة الزهراء، والأئمة الاثني عشر، وذويهم (صلوات الله عليهم أجمعين)، ربما كان فيه بعض الاضطراب من حيث تاريخ الولادة، والوفاة، والزواج، وعدد الأولاد، وبعض الخصوصيات الأخرى.. كما يراه الإنسان في مراجعة أحوالهم، وهذا من الشواهد على عظيم مظلوميتهم، فإن ذلك كان تعمُّداً من الأعداء في إخفاء ذكرهم بالقدر الممكن حتى: (يحرِّفون الكلم عن مواضعه) (النساء: 46)، ولم تكن السيدة زينب (عليها السلام) مستثناة عن هذه القاعدة". (السيدة زينب (ع) عالمة غير معلمة؛ السيد محمد الشيرازي: ص14)
ولكن مَنْ الذي ظلمهم كل هذا الظلم؟ ألم تكن هذه الأمة التي تتسمى بهم وتنتمي إلى جدِّهم رسول الله (ص)؟ ألم تكن سيدة الزمان والمكان وشرف الأمة في كربلاء المقدسة قديسة بني هاشم وراهبة آل علي (ع)، وعقيلة الطالبيين، وفخر المخدرات، وحفيدة النبي (ص) زينب الكبرى ابنة فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين الإمام علي (ع)، فلماذا لم يحفظوا تاريخها وولادتها؟
ألا تستحي هذه الأمة من نفسها، وتخجل على نفسها حين تقرأ في التاريخ: أن الإمام الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة قُتل في كربلاء، وشقيقته السيدة زينب الكبرى سُبيت، ونُقلت أسيرة في البلاد ومرَّت في أربعين منزلاً وفي كلها يجتمعون عليها ليتفرجوا على ركب السبايا والأسارى، وأغلبهم لا يعرفون أن هؤلاء ثقل النبوة وبنات الوحي ومخدرات الرسالة؟
وحق الحق أنني كلما قرأتُ ذلك أبكي بحرقة وأخجل على نفسي كيف أسمح لنفسي بقراءة ذلك، ولكن هذه الأمة الجاحدة والناكرة للجميل الذي أسداه رسول الله (ص) لها بأن أخرجها من ظلمات الجهل والجاهلية إلى بحبوحة وأنوار العلم والحضارة الإنسانية، ولكن سلَّموا أمرهم إلى أعدى أعداء الله ورسوله فيهم، إلى الشجرة الملعونة في القرآن، الزقزمية الجهنمية الأموية، فراحوا يأمروهم بسبِّ رسول الله (ص) وأهل بيته لأكثر من ستين سنة، ولا يجرؤ أحد أن يرفع رأسه منهم، جبناً وخوفاً من أن يطالهم أذى السلطان، ففضلوا رضا الشيطان على سخط الرحمن.
السيدة زينب الكبرى (ع)
يقول الشيخ باقر شريف القرشي (رحمه الله): "ووضعت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) وليدتها المباركة التي لم تولد مثلها امرأة في الإسلام إيماناً، وشرفاً، وطهارةً، وعفةً، وجهاداً، وقد استقبلها أهل البيت(ع)، وسائر الصحابة بمزيدٍ من الابتهاج والفرح والسرور، وأجرى الإمام أمير المؤمنين(ع) على وليدته المراسيم الشرعية، فإذّن في أُذنها اليمنى، وأقام في اليسرى.
لقد كان أوّل صوت قرع سمعها هو: (الله أكبر، لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله) وهذه الكلمات أُنشودة الأنبياء، وجوهر القيم العظيمة في الأكوان، فانطبعت هذه الأُنشودة في أعماق قلب حفيدة الرسول (ص) فصارت عنصراً من عناصرها، ومقوماً من مقوماتها.
وحينما علم النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته، وهو خائر القوى حزين النفس، فأخذها ودموعه تتبلور على سحنات وجهه الكريم، وضمَّها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً، وبُهرت سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) من بكاء أبيها، فانبرت قائلةً: (ما يبكيك يا أبتي؟ لا أبكى الله لك عيناً). فأجابها بصوت حزين النبرات: (يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا) (السيدة زينب (ع) رائدة الجهاد الشيخ القرشي: ص3، عن الطراز المذهّب: 38)
هذه المرأة العظيمة، والنَّسمة الطيبة الطاهرة، نسلة الرسول وبضعة أمها البتول، تنصبُّ عليها المصائب والرزايا بدلاً من أن يُنصب لها في كل مدينة، وقرية، وبيت، وعلى كل صدر تمثالاً ذهبياً لها كالسيدة مريم العذراء (ع)، وليس لمريم شأنها وفضلها وعظمتها، فتُقدَّس حتى العبادة السيدة مريم في ملَّتها، وتُقتل وتُأسر وتُسبى السيدة زينب في ملَّتها، فأي جريمة هي أكبر منها؟
فالسيدة زينب (ع) كان يُثني عليها الإمام المعصوم، بل يقف لها ظلاً من الشمس وهي نائمة أخيها الإمام الحسين (ع)، وأبيها أمير المؤمنين (ع) يُطفئ السراج ليلاً غيرة علها حتى لا يرى خيالها إنسان قط قبل يوم عاشوراء، تُسبى، وتُأسر، وتُشتم من اللئيم عبيد الله بن زياد في الكوفة أو يشمت بها طاغية الشام يزيد بن معاوية، فأي أمة هذه، فهل هي أمة محمد أو أمة موسى؟
زينب العالمة غير المعلمة
والعجيب الغريب أن هذه السيدة الجليلة الكريمة النبيلة التي كانت من أهل العلم والفضل حيث كانت تعقد مجالس الفقه والتفسير في الكوفة يوم كانت سيدتها وأميرتها وابنة الإمام الحاكم فيها فلم تكن امرأة عادية وهذه شهادة ابن أخيها وشريكها بالسبي والأسر زين العابدين (ع) حيث تقول الرواية: (لمّا أدخلوا السبايا الكوفة وأخذ الناس يبكون وينوحون لأجلهم، التفتت إليهم سيدتنا زينب (عليها السلام) وأومأت إليهم بالسكوت، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثم خطبت عليهم خطبتها الشهيرة والتي قال عنها الراوي : فلم أرَ والله خَفِرة أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين (ع) وبعد أن انتهت من خطبتها على الناس، توجه إليها الإمام زين العابدين (ع) قائلاً لها: (يا عمَّة؛ أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة). (بحار الأنوار ج 45 ص162)
ويقول الإمام الشيرازي الراحل: "ويظهر من ذلك أن علمها (عليها السلام) كان لَدُنَيّاً وإن لم يكن بمنزلة علومهم (عليهم السلام) وبقدره في الارتفاع: فـ (تلك الرُّسُلُ فضَّلنا بعضَهم على بعض) (البقرة: 253) وهو مقتضى العقل، لاختلاف مراتب الإمكان.. ثم إن السيدة زينب (عليها السلام) من هذه العترة الطاهرة، وإنَّا لا نفهم حقيقة هذه السيدة الجليلة وعظمتها كما هي هي ولا يسعنا معرفتها حق المعرفة، إذ الأقل لا يحتوي على الأكثر وإلاّ لزم الخلف".
فهناك قضيتان: قضية عدم استيعاب الممكن للواجب، وقضية عدم استيعاب الأدنى للأعلى، مهما كان الأدنى رفيعاً، وعلى أي حال فكيف يمكننا أن نعرف السيدة زينب (عليها السلام) حق معرفتها؟! (السيدة زينب (ع) عالمة غير معلمة؛ السيد محمد الشيرازي: ص11)
نعم؛ هذه السيدة الجليلة، والمرأة العظيمة التي قدَّمت كل ما لديها لله سبحانه ولدينها، حتى سمعتها وكرامتها، فلم يذكر التاريخ البشري كله أن امرأة مثلها وفي موقعها وحفيدة سيدها تُأسر وتُسبى من أمتها التي كان من المفروض أن تكون كلها في خدمتها ولحمايتها من أعدائها، ولكن تحوَّل العداء من بني أمية إلى بني هاشم، والولاء من بني هاشم إلى بني أمية ففعلت صبيان أمية فعلتها وانتقمت من رسول الله (ص) وبني هاشم الأكارم فقتلت الرجال، وسبت النساء، وسبَّت أهل البيت لأكثر من ستين سنة، وتحوَّلت الأمة من عبادة الرحمن إلى عبادة السلطان.
وفي هذا العصر الأغبر ما أحوجنا إلى السيرة الزينبية المجاهدة، والصابرة، والعالمة، والشجاعة، والتي تقول كلمة الحق قوية في وجوه الطغاة والظالمين، فأحد المستشرقين الأوروبيين إدوارد مونتاغيوا له مقال يقول فيه: "اقتلوا كل زينب"، وما ذلك إلا لموقفها العظيم في وجه الطاغية عبيد الله في الكوفة، ويزيد الشَّر في الشام حيث قرَّعته ووبَّخته بما لا يمكن لأحد في الأرض غير السيدة زينب أن يقوله في ذلك المجلس: (أ من العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا... فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين).
هذه هي السيدة زينب (ع) قدوة النساء والبنات في هذه الأمة، وفي هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم عليهن لنزعهن من بيتهن وأسرهن ورميهن في أحضان الرذيلة لا سمح الله، وعليهن جميعاً أن يكن زينبيات في العفة، والطهارة، والعلم، والعمل، والجهاد، مع حفظهن على حجابهن وطهارتهن من أن تتلوَّث، فالأمة والبلاد والعباد بخير ما دامت النساء طاهرات عفيفات محجبات والويل للمجتمعات الإسلامية إن خرجت النساء من حصونهن وبيوتهن، بلا خجل ولا وجل كما في المجتمعات الغربية المنحلة والمنحطة..
الشيخ الحسين أحمد كريمو- بتصرف