بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
قالَ الله تَعَالَى في كِتَابِهِ الكَريمِ: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾،سُورَةُ آلِ عمرانَ ،الآية 144.
عَنْ حَبَّةَ عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: ( غَسَلْتُ اَلنَّبِيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي قَمِيصِهِ فَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَقُولُ أَرِنِي اَلْقَمِيصَ فَإِذَا شَمَّتْهُ غُشِيَ عَلَيْهَا فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ غَيَّبْتُهُ )، بحار الأنوار ، ج43،ص157.
روت مصادر الجميع أنّ فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) كانت تندب أباها (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)وتبكيه ، وروت فقرأت مؤثّرة من نوحها عليه ، وأبيات شعر بليغة.
قال البخاري : : عن أنس قال لما ثقل النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) جعل يتغشّاه فقالت فاطمة : ( واكرب أباه ! فقال لها : ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم ! فلمّا مات قالت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه. يا أبتاه من جنّة الفردوس مأواه. يا أبتاه إلى جبريل ننعاه. فلمّا دفن قالت فاطمة عليها السلام : يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب!)،صحيحُ البخاري ، ج 5 ،ص 144.
وهذا ورقة بن عبد الله يلتقي بخادمة السيدة الزهراء فضة وهو في الحج ، فقدْ رَوَى وَرَقَةُ بْنُ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْأَزْدِيُّ قَالَ :....... قُلْتُ لَهَا يَا فِضَّةُ أَخْبِرِينِي عَنْ مَوْلاَتِكِ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَ مَا اَلَّذِي رَأَيْتِ مِنْهَا عِنْدَ وَفَاتِهَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَالَ وَرَقَةُ فَلَمَّا سَمِعَتْ كَلاَمِي تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهَا بِالدُّمُوعِ ثُمَّ اِنْتَحَبَتْ نَادِبَةً وَ قَالَتْ يَا وَرَقَةَ بْنَ عَبْدِ اَللَّهِ هَيَّجْتَ عَلَيَّ حُزْناً سَاكِناً وَ أَشْجَاناً فِي فُؤَادِي كَانَتْ كَامِنَةً فَاسْمَعِ اَلْآنَ مَا شَاهَدْتُ مِنْهَا عَلَيْهَا السَّلاَمُ اِعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهُ اِفْتَجَعَ لَهُ اَلصَّغِيرُ وَ اَلْكَبِيرُ وَ كَثُرَ عَلَيْهِ اَلْبُكَاءُ وَ قَلَّ اَلْعَزَاءُ وَ عَظُمَ رُزْؤُهُ عَلَى اَلْأَقْرِبَاءِ وَ اَلْأَصْحَابِ وَ اَلْأَوْلِيَاءِ وَ اَلْأَحْبَابِ وَ اَلْغُرَبَاءِ وَ اَلْأَنْسَابِ وَ لَمْ تَلْقَ إِلاَّ كُلَّ بَاكٍ وَ بَاكِيَةٍ وَ نَادِبٍ وَ نَادِبَةٍ وَ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ اَلْأَرْضِ وَ اَلْأَصْحَابِ وَ اَلْأَقْرِبَاءِ وَ اَلْأَحْبَابِ أَشَدَّ حُزْناً وَ أَعْظَمَ بُكَاءً وَ اِنْتِحَاباً مِنْ مَوْلاَتِي فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَ كَانَ حُزْنُهَا يَتَجَدَّدُ وَ يَزِيدُ وَ بُكَاؤُهَا يَشْتَدُّ فَجَلَسْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لاَ يَهْدَأُ لَهَا أَنِينٌ وَ لاَ يَسْكُنُ مِنْهَا اَلْحَنِينُ كُلُّ يَوْمٍ جَاءَ كَانَ بُكَاؤُهَا أَكْثَرَ مِنَ اَلْيَوْمِ اَلْأَوَّلِ فَلَمَّا فِي اَلْيَوْمِ اَلثَّامِنِ أَبْدَتْ مَا كَتَمَتْ مِنَ اَلْحُزْنِ فَلَمْ تُطِقْ صَبْراً إِذْ خَرَجَتْ وَ صَرَخَتْ فَكَأَنَّهَا مِنْ فَمِ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) تَنْطِقُ فَتَبَادَرَتِ اَلنِّسْوَانُ وَ خَرَجَتِ اَلْوَلاَئِدُ وَ اَلْوِلْدَانُ وَ ضَجَّ اَلنَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَ اَلنَّحِيبِ وَ جَاءَ اَلنَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَ أُطْفِئَتِ اَلْمَصَابِيحُ لِكَيْلاَ تَتَبَيَّنَ صَفَحَاتُ اَلنِّسَاءِ وَ خُيِّلَ إِلَى اَلنِّسْوَانِ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) قَدْ قَامَ مِنْ قَبْرِهِ وَ صَارَتِ اَلنَّاسُ فِي دَهْشَةٍ وَ حَيْرَةٍ لِمَا قَدْ رَهِقَهُمْ وَ هِيَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) تُنَادِي وَ تَنْدُبُ أَبَاهُ: وَا أَبَتَاهْ وَا صَفِيَّاهْ وَا مُحَمَّدَاهْ وَا أَبَا اَلْقَاسِمَاهْ وَا رَبِيعَ اَلْأَرَامِلِ وَ اَلْيَتَامَى مَنْ لِلْقِبْلَةِ وَ اَلْمُصَلَّى وَ مَنْ لاِبْنَتِكَ اَلْوَالِهَةِ اَلثَّكْلَى ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَعْثُرُ فِي أَذْيَالِهَا وَ هِيَ لاَ تُبْصِرُ شَيْئاً مِنْ عَبْرَتِهَا وَ مِنْ تَوَاتُرِ دَمْعَتِهَا حَتَّى دَنَتْ مِنْ قَبْرِ أَبِيهَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَى اَلْحُجْرَةِ وَقَعَ طَرْفُهَا عَلَى اَلْمِأْذَنَةِ فَقَصُرَتْ خُطَاهَا وَ دَامَ نَحِيبُهَا وَ بُكَاهَا إِلَى أَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا فَتَبَادَرَتِ اَلنِّسْوَانُ إِلَيْهَا فَنَضَحْنَ اَلْمَاءَ عَلَيْهَا وَ عَلَى صَدْرِهَا وَ جَبِينِهَا حَتَّى أَفَاقَتْ فَلَمَّا أَفَاقَتْ مِنْ غَشْيَتِهَا قَامَتْ وَ هِيَ تَقُولُ: رُفِعَتْ قُوَّتِي وَ خَانَنِي جِلْدِي وَ شَمِتَ بِي عَدُوِّي وَ اَلْكَمَدُ قَاتِلِي يَا أَبَتَاهْ بَقِيتُ وَالِهَةً وَحِيدَةً وَ حَيْرَانَةً فَرِيدَةً فَقَدِ اِنْخَمَدَ صَوْتِي وَ اِنْقَطَعَ ظَهْرِي وَ تَنَغَّصَ عَيْشِي وَ تَكَدَّرَ دَهْرِي فَمَا أَجِدُ يَا أَبَتَاهْ بَعْدَكَ أَنِيساً لِوَحْشَتِي وَ لاَ رَادّاً لِدَمْعَتِي وَ لاَ مُعِيناً لِضَعْفِي فَقَدْ فَنِيَ بَعْدَكَ مُحْكَمُ اَلتَّنْزِيلِ وَ مَهْبِطُ جَبْرَئِيلَ وَ مَحَلُّ مِيكَائِيلَ اِنْقَلَبَتْ بَعْدَكَ يَا أَبَتَاهْ اَلْأَسْبَابُ وَ تَغَلَّقَتْ دُونِيَ اَلْأَبْوَابُ فَأَنَا لِلدُّنْيَا بَعْدَكَ قَالِيَةٌ وَ عَلَيْكَ مَا تَرَدَّدَتْ أَنْفَاسِي بَاكِيَةٌ لاَ يَنْفَدُ شَوْقِي إِلَيْكَ وَ لاَ حُزْنِي عَلَيْكَ ثُمَّ نَادَتْ يَا أَبَتَاهْ وَا لُبَّاهْ................. قَالَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا وَ أَخَذَتْ بِالْبُكَاءِ وَ اَلْعَوِيلِ لَيْلَهَا وَ نَهَارَهَا وَ هِيَ لاَ تَرْقَأُ دَمْعَتُهَا وَ لاَ تَهْدَأُ زَفْرَتُهَا وَ اِجْتَمَعَ شُيُوخُ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ وَ أَقْبَلُوا إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ إِنَّ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) تَبْكِي اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهَارَ فَلاَ أَحَدٌ مِنَّا يَتَهَنَّأُ بِالنَّوْمِ فِي اَللَّيْلِ عَلَى فُرُشِنَا وَ لاَ بِالنَّهَارِ لَنَا قَرَارٌ عَلَى أَشْغَالِنَا وَ طَلَبِ مَعَايِشِنَا وَ إِنَّا نُخْبِرُكَ أَنْ تَسْأَلَهَا إِمَّا أَنْ تَبْكِيَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) حُبّاً وَ كَرَامَةً فَأَقْبَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) حَتَّى دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَ هِيَ لاَ تُفِيقُ مِنَ اَلْبُكَاءِ وَ لاَ يَنْفَعُ فِيهَا اَلْعَزَاءُ فَلَمَّا رَأَتْهُ سَكَنَتْ هُنَيْئَةً لَهُ فَقَالَ لَهَا: يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِنَّ شُيُوخَ اَلْمَدِينَةِ يَسْأَلُونِّي أَنْ أَسْأَلَكِ إِمَّا أَنْ تَبْكِينَ أَبَاكِ لَيْلاً وَ إِمَّا نَهَاراً فَقَالَتْ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ مَا أَقَلَّ مَكْثِي بَيْنَهُمْ وَ مَا أَقْرَبَ مَغِيبِي مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ فَوَ اَللَّهِ لاَ أَسْكُتُ لَيْلاً وَ لاَ نَهَاراً أَوْ أَلْحَقَ بِأَبِي رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): اِفْعَلِي يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ مَا بَدَا لَكِ ثُمَّ إِنَّهُ بَنَى لَهَا بَيْتاً فِي اَلْبَقِيعِ نَازِحاً عَنِ اَلْمَدِينَةِ يُسَمَّى بَيْتَ اَلْأَحْزَانِ وَ كَانَتْ إِذَا أَصْبَحَتْ قَدَّمَتِ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) أَمَامَهَا وَ خَرَجَتْ إِلَى اَلْبَقِيعِ بَاكِيَةً فَلاَ تَزَالُ بَيْنَ اَلْقُبُورِ بَاكِيَةً فَإِذَا جَاءَ اَللَّيْلُ أَقْبَلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) إِلَيْهَا وَ سَاقَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى مَنْزِلِهَا وَ لَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَضَى لَهَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهَا سَبْعَةٌ وَ عِشْرُونَ يَوْماً وَ اِعْتَلَّتِ اَلْعِلَّةَ اَلَّتِي تُوُفِّيَتْ فِيهَا.......)، بحار الأنوار ج43، ص174.،
تدلّ الروايات على أنّها كانت تقيمها عند قبر النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وفي بيتها وفي البقيع ، وكانت تذهب إلى قبر عمّها حمزة رحمه الله كلّ يوم خميس وإثنين. واستمرّ برنامجها هذا طوال مدّتها بعد النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، وهي كما في رواياتنا نحو ثلاثة أشهر وفي رواية البخاري ستّة أشهر ، وفيما يلي بعض الضوء على هذه المجالس :
من الطبيعي أن تكون نساء الأنصار والمهاجرين قد أقمنَ مجالس ندب على النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في أحيائهنّ كما فعلن يوم شهادة حمزة رحمه الله وغيره وأن يحضر غالبهنّ مجلس فاطمة الزهراء (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) فيعزّينها ويندبن معها رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)!
وطبيعي أن يكون لهذه المجالس دورٌ اجتماعي وسياسي في ذلك الظرف الحسّاس ، الذي حدثت فيه بيعة السقيفة ، وخالفها بنو هاشم وغيرهم ، وهاجم الطلقاء بيت فاطمة وعلي (عَلَيْهَمَا السَّلاَمُ) لإجبار من فيه على البيعة .
والسؤال الذي يفرض نفسه : ما بال رواة السلطة لم يرووا أخبار هذه المجالس ؟
والجواب : أنّ الوضع لم يكن طبيعيّاً لا في المسجد ولا في بيت علي وفاطمة ! فالحزب القرشي بعد بيعة أبي بكر جعلوا السقيفة مركز نشاطهم ، بعد أن أهانوا سعد بن عبادة المريض ، فحمله أولاده إلى بيته ، وتركوا لهم السقيفة !
لكنّهم بعد الهجوم على بيت علي وفاطمة (عَلَيْهَمَا السَّلاَمُ)جعلوا مسجد النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مركزهم ! واتّخذوا إجراءات مشدّدة في المسجد وحول القبر النبوي الشريف ، شبيهاً بالأحكام العرفيّة ، ومنعوا إقامة مجالس العزاء ، ومطلق التجمّع عند قبر النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، فقد كان خوف السلطة القرشيّة الجديدة من أمرين :
الأوّل ، مجالس الندب التي تقيمها فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) ، أن توظفها لتأليب الأنصار وبعض المهاجرين ضدّ بيعة أبي بكر .
والثاني ، أن تستجير فاطمة وعلي بقبر النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كما هي عادة العرب ، معلنين أنّهم أهل الوصيّة والخلافة ، مطالبين بالوفاء لهم بالبيعة وردّ بيعة أبي بكر !
فكان الحلّ عند القرشيين أن أطلقوا نصّاً دينيّاً يمنع التجمّع عند قبر النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حتّى للصلاة ! وقالوا إن ذلك آخر ما قاله النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في آخر لحظات حياته ، وأنّه لعن اليهود والنصارى لأنّهم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، أيّ صلوا عندها ! وفرضوا تنفيذ هذه ـ الوصية النبويّة ـ بالقوّة !
قالت عائشة : ( لمّا نزل برسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : لعنة الله على اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا ). البخاري ،ج 1 ،ص 422+ج 6 ،ص 386 +ج 8 ،ص 116 ، ومسلم ،ج 2 ،ص 67 ، والنسائي ،ج 1 ،ص 115 ، والدارمي ،ج 1 ،ص 326 ، والبيهقي ،ج4،ص 80 ، وأحمد ،ج 1 ،ص 218+ج 6 ،ص 34 ،ص 229و ص 275 ، الألباني في أحكام الجنائز، ص 216 .
وقالت عائشة : ( قال رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في مرضه الذي لم يقم منه : لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت : فلولا ذاك أُبْرِزَ قبرُه ، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ). البخاري ،ج 3 و ص156 ،ص 198+ 8ج ،ص 114، وأبو عوانة ،ج 2 ،ص 399 ، وأحمد ،ج 6 ،ص 80و ص 121و ص 255 ، الألباني في أحكام الجنائز، ص 216.
وقال السرخسي في المبسوط ،ج 1 ،ص 206 : ( ورأى عمر رجلاً يصلّي بالليل إلى قبر فناداه : القبر القبر ، فظنّ الرجل أنّه يقول القمر ، فجعل ينظر إلى السماء ، فما زال به حتّى بينه ).
وإلى يومنا هذا لم يستطع عالم من أتباع الخلافة القرشيّة أن يثبت أن اليهود والنصارى اتّخذوا قبراً لنبي من أنبيائهم مسجداً ! اللهم إلّا المؤمنون الذين مدحهم الله بأنّهم اتّخذوا مسجداً على قبور أهل الكهف فقال تعالى : ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾، سُورَةُ الكَهفِ ،الآية 21.
فقد غفل واضعوا الحديث فكذبوا على تاريخ اليهود والنصارى ، كما غفلوا عن هذه الآية التي تكذب زعمهم ! لأنّ همّهم كان منع مجالس فاطمة (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)!.
تعليق