لم تأت مقولة: "قتل الحسين بسيف جده" من فراغ، فهي وليدة ثقافة سياسية رأت حينما استولت على حكم أمة الإسلام أنها لا تملك الشرعية التي تخولها ذلك، ولذا سعت بجد لتتشبث بالدين ولتدعي بأنها ممثلته الشرعية. ومن ثم وظفت الدين لخدمة مقاصدها والدفاع عن نفسها ضد كل من يحاول كشف حقيقتها أو التصدي لتخريبها.
وقد كانت نهضة الحسين أحد أعظم المخاطر التي حاقت بهم وتهددت وجودهم ولذا بحثوا عما يشرعن لهم قتله، فلم يجدوا أبسط من الادعاء بأن الحسين (عليه السلام) كان خارجيا، وهي الصفة التي أطلقوها على سبايا آل البيت عند دخولهم إلى الشام. ووفق هذا المنهج جاء تعريف الشهرستاني في الملل والنحل للخوارج فقال: "فكل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه ُيسمى خارجا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين؛ أو كان بعدهم على التابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان". إذن كل من يخرج على من اتفقت الجماعة عليه يُعد خارجيا، ولأن الحسين رفض اتفاق الجماعة وثار ليصلح شأن الأمة عدوه خارجيا.
ولما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أمر بمحاربة الخوارج، مثلما يتضح من الأحاديث التي استشهدوا بها مثل حديث أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال في الرجل الذي أنكر عليه في قسمة المال بعد أن ولىَّ: "إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". إذ توعدهم رسول الله إن أدركهم ليقاتلنهم ويستأصلهم. بل جاء في رواية أخرى أنه (صلى الله عليه وآله) أمر المسلمين بمطاردتهم وقتلهم لأن في قتلهم ثواب وقد جاء في الرواية قوله: "فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة". وفي رواية ثالثة طوَّب رسول الله لمن يقتلهم أو يقتلونه والرواية عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في الخوارج: "هم شر الخلق، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا من الله في شيء. فمن قاتلهم كان أولى بالله منهم". وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "سيخرج من أمتي ناس ذلقة ألسنتهم بالقرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإنه يؤجر قاتلهم" وفي رواية أخرى: "فإذا خرجوا فاقتلوهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم".
وحينما يتهم الحسين (عليه السلام) بأنه خارجي، يكون أمر مقاتلته حسب زعمهم قد جاء من جده النبي، وهذا هو المنطق الأفلاطوني وفرضياته التي يسير عليها أعداء الحسين اليوم، امتنعوا عن تسمية نهضته من أجل العدل والحق باسمها، فأسموها (خروجا) ليلصقوا بالحسين صفة الخوارج. ولما كانت عندهم شروط لقتال الخوارج منها: أنّه لا مشروعية للقول باستئصال الخوارج، بل إنَّ قتالهم لردّ عدوانهم وصيالهم ونزولهم على الشرع. فقد اعتبروا الحسين خارجيا (صائلا) لكي يصح قتله وفق قاعدة قتال الصائل التي سنوها وعملوا بها. والصائل هو: المعتدي على نفس غيره، أو عرضه، أو ماله بغير حق، ويشرَعُ للمتعدَى عليه ردُّ العدوان بالقدر اللازم لدفع الاعتداء، في كل زمان ومكان، بدليل قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة: 194]. ومن المؤكد أن هذه القواعد كلها وضعت وبدأ العمل بها بعد مقتل الحسين (عليه السلام) وليس قبله، لكي يشرعنوا للناس عملهم السيء بعدما كثرت الثورات ضدهم وبدأ الناس يعترضون على قتل ابن بنت رسول الله.