"رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ".
"فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
بين هاتين الآيتين المباركتين قصة محنة وعناء وثبات، وصور لعلو الهمة وسمو الاهتمامات، ولوحة عفة وطهارة وتَرَفُعٍ نقشت بمداد التضحيات.
فحينما يكون الشيطان للإنسان بالمرصاد عند كل منعطف وطريق، حينها يحتدم الصراع ويميز التراب والحجر من الدر والعقيق، فالكثير أبطال خلف الشاشات، وعلى المنصات، وفي مجال التنظير وإطلاق الشعارات، ولكن عند الامتحان، يكرم المرء أو يهان!
آيات كلما قرأتها اهتزت روحي، وانطلقت نفسي في آفاق التأمل والتفكر، لأخذ الدروس والعبر، فهل يا ترى من السهل الاستقامة والثبات في وقت الضيق والحرج والأزمات؟
وهل يمكن للإنسان التضحية بالمركز والعنوان إن رأى أنه بين المطرقة والسندان؟
ترى متى يستطيع المرء التخلي عن كل شيء في سبيل الله تعالى وإن كانت النتيجة السجن والجَلد والهوان؟
وتستمر الأسئلة، كلما تصفحنا الواقع وما وصل إليه من مستويات ضحلة....
وفي هاتين الآيتين جواب دقيق، لمن فتح الله تبارك وتعالى له باب الفهم وبات يتدبر الآيات بشكل عميق، ينفذ إلى عمقها ويسبر غورها، ليرى ما وراءها، وما يقبع من الكنوز بين ثناياها.
فحَيرة الإنسان تنتهي متى لجأ إلى القرآن، واتخذه خارطة طريق في الحياة للوصول إلى رضوان المنان.
إن القلب المفعم بحب الله تعالى عند نبي الله يوسف عليه السلام، هو الذي امده بالهدوء والسكينة والطمأنينة عند اشتداد المحنة والآلام، وقد تعلمت منه أن الصعوبات إن كانت في الله تعالى ولله عز وجل فهي عين اليسر والسرور.
وان أسر الجسد بين قضبان سجن الحياة، أولى من أسر الروح التي خلقت للكمال بين ادران الذنوب والخطيئات.
تعلمت أن من كان مع الله تبارك وتعالى فإنه سيكون معه في كل الأحوال والأوقات، يسدده يعينه يحميه ويصرف عنه كيد الفتن المضلات.
تعلمت أن الإنسان متى خرج من حوله وقوته، وتوجه إلى الله تعالى بكل وجوده، كان الرب الرحيم عونه وسنده ومدده.
واليوم ونحن نعيش في زمن مليء بالفتن والتحديات، فإننا بأمس الحاجة إلى العودة إلى رحاب القرآن والآيات، لنستلهم منها زاد الاستقامة على الحق، ونتزود بوقود السمو والثبات، فالله سبحانه إذا رأى عبده صادقا في طلبه، مخلصا له في حبه، راغبا في طاعته ورضاه وقربه، فلن يتركه وحيدا، ولن يسلمه أبدا، بل سيكون معه وإلى جنبه، حتى يرى الحق حقا والباطل باطلا.