يعد الانتماء ظاهرة انسانية قادرة على خلق تفاعلات تأثيرية استطاع ان يصوغ من خلالها الشاعر والمبدع (عودة ضاحي التميمي )في مجموعته الجديدة ( ودعني كي القاك ) رؤى ابداعية شعورية واعية خلقت تواصلها عبر العديد من الظواهر الاسلوبية كظاهرة استحضار الرموز فاستحضرها الشاعر (عودة ضاحي التميمي )لا باعتبارها عمل توثيقي بل هو تدفق مضموني يمتاز ببعده الانساني الذي يمنح النص موقفا شعوريا
( من يبرز ...
في وجه خوارج هذا العصر ..
((عليا))
فأبن العاص ...
يجوب الناس نهارا
يسقي الفتنة ... ينفخ فيها
حتى تتكور
كي يسهل في الليل تدحرجها ((ص15))............)
واستحضار الموروث التاريخي يعمق لنا الواقع دون الحاجة الى التفاصيل المرسومة اساسا في ذاكرة التلقي وقيمة الانتماء موجودة كقيمة محفزة في ثنايا الانتقاء بما تمثله الشخصية كشخصية بشر الحافي ، فبشر لفظا يمثل البشرـ البشارة ، سعى الشاعر ( التميمي ) لإعادة صياغة النص شعريا في تداعياته التي تبدا بانشطارية موسومة في مرجعية مهيئة لإستقبال الوثبة التغيرية اثر انشطار غريب يعمره الشاعر لشخصيته المستحضرة
( وعند بزوغ .....
ينهض بشر
يلعن كل شياطين الليل
يخاصم نفسه
ويحاول ان يقطع كل خيوط العهر ((ص19)).... )
فقد عامل الشاعر بشرا من خلال تداعياته لا كشخص منتقى من بطون التأريخ وانما كنموذج انساني يعيش بيننا، شخصية واقعية يتنازعها محوران من محاور الانتماء خير ـ شر ، ليبحث بعدها بشر الحافي بنفسه عن مستقره الانتمائي
( بجناح الحلم الصادق
يصحو بشر ....
يلعن خيبته ...
يطرد سكرته ....
ويمزق أسلاب الماضي
ينزع جلده
يتخلص من آخر صوت
كان يعشعش في تنور الرأس
يخلع خفيه... يتخطى نحو الشمس (( ص20))..... )
ولا يكتفي الشاعر باستحضار الرموز الإيجابية بل نجده يركز على استحضار بعض الرموز السلبية ليمنحنا المدلول التضادي الذي يمثل الادانة وليقف الشاعر امام التاريخ برمته حاملا انتماءه الرافض ،
فيما يرى بعض النقاد ان اختيار النموذج السلبي في الشعر يعبر عن قلق الانسان المعاصر من تفاعل هكذا
نماذج بعدما لفظها التاريخ بقوة ، اجد ان الشاعر هنا عبر عن محنة العقل الانساني وهو يرى اعادة تكوينية لنماذج هذا السلب عبر احداث عديدة تتجدد لوجود القاعدة الفكرية السلبية
(قابيل يتنكب حقدا ...
يتطوع في جيش الردة
وكلاب الحوأب ...
تستعرض عري المذبوحين
في الليل...
يضاجع حجاج الأمس ... مواسيرا
كي تنتج ..حجاجين ....
عاد الامس بصفين ...اخرى ومعاوية اليوم ...يسوس .....الافاقين ((ص14))......)
ويتم استحضار الرمز احيانا ليرسم منها ملامح القناع المعبر عن روح الانتماء ،
(اهرب من ذاتي
كيما ....أدخل نشوانا ...بيت أبي سفيان
**
وأنا أول من حملت نبوءته
مسلة حمورابي ((32)).... )
مسارات شعرية تشكل نسيج نصي مترابط لحمة فنية ـ تقرأ الرموز قراءة مضمرة تحيلنا الى واقع تأريخي وقائم على خرق لغوي ، فاللغة لا تكسب صفة الشعرية دون تحقيق قدر مناسب من ( الانزياح ) خرق الترابط الدلالي
( وارسلت ثدييها نهرين من عسل ودم ((9)).....)
خلق الانزياح صلة بين بنية اللغة وكفاءة الفكرة فينتج للوعي حراك يخلق معنى غير شائع
( ضاجعها اليأس ...
فنمت في احشائها ..
عقارب النفاق ((71))....)
وهكذا ... صار الكلام لا يتمثل بصورته المباشرة فكثرت في المجموعة تركيبات جملية شعرية مثل
( أحلام خدج .. تشرئب ذاكرة المدينة .... تنزلق الحدائق ... أجنحة المنازل )
جمل شعرية ضخمت فعاليتها بواسطة الإزاحة التي رسمت الصور الشعرية والتي تتناغم مع قيم الوعي الإنساني
(هرب الفرات .. من الفرات
ودجلة الخير الجميلة ......عنست
ولم تعد اميرة الفقراء ( 22))....)
لغة منحت فرصة أكبر للتأمل وعبرت عن الكثير من الهواجس والأحاسيس ومشاعر مضمرة لظاهرة الانتماء المكاني ، هذا الانتماء ،الذي تجلى بابعاد دلالية مختلفة في ذاكرة المكان ، انتماء حقيقي يمثل ما تحمله المدينة من موروث انساني ، صوت الانتماء الوطني والضميري ، الذي هو أكبر من الانتماءات المحلية ، لكن تبقى هناك بؤر ة تمثلها كربلاء المدينة ودلالاتها الزاخرة بالمعاني الانسانية التي تعني عند الشاعر منطلقا كونيا وطنيا يصنع المشهد الواقعي الذي يمثل اغلب قصائد المجموعة ، مثل قصيدة (الهامش يتقدم ) نقرا جملا مثل تستيقظ الذاكرة ، وتشرئب ذاكرة المدينة ، وعلى (هامش الذاكرة ) كانت ذاكرة المكان موجودة ايضا وفي قصيدة ( سيدة الحزن المبجل )تفترش خارطة المكان بما تحمل من تراث ( مقام المهدي .... الاسواق المسقوفة .... الفسحة ...وغيرها ) ومثلما نجد ان الشاعر التميمي قد تعامل مع المكان باعتباره وطنا في قصيدة ( سقوط اسنان المشط ) و تعامل معه كفسحة للحرية رسم ملامحها المكانية عبر ( القفص ... الساحات ) دلالات مكانية قائمة شعريا في ( الحارات ـ والشوارع المرشوشة بالفوضى ـ واصابع الأنهار ـ استغاثة الطريق ـ)
تعد هذه المجموعة المجموعة التاسعة في سلسلة مجموعات عودة ضاحي التميمي الشعرية والتي حفلت بتنواعتها الفنية عبر مساحة زمنية اشار اليها الشاعر بمدة العشرين عام تقربيا ... مما ترك فسحة زمانية ساهمت في خلق رؤى شعرية شمولية متنوعة تابعة للتغيرات الأسلوبية لذائقة عشرين عام عاشها الناس وتنامي التجربة في الرسم الصوري وانتقاء عناصرها وتوظيف الواقع لأغناء تجريبي واستخدام اساليب حداثوية توجت تجربة عودة ضاحي التممي التاسعة ( ودعني كي القك )