إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبق ياسمينة نرجس مرتضى الموسوي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبق ياسمينة نرجس مرتضى الموسوي



    تذوب الأرواح، وتهوي الأفئدة، تقبع في سراديق الظلمة، فيصبح الموت أشهى للنفس من العيش في جسد خاوٍ من الحياة، هذا ما كانت تشعر به نورس عندما أفاقت من غيبوبتها، فتاة عشرينية، ممشوقة القوام، وجهها كالبدر، تغرق في سواد عينيها، تأخذك بعيدًا إلى عمق الزمن وقساوة ما تجرعته من شجن، تساقطت قطرات الدمع المحترقة منها كزخات مطر في نيسان، وهي تصرخ بصوت متحشرج.
    دعوني أموت ..
    لماذا عدت إلى هذه الحياة البائسة، لن تلتئم جراحي حتى احتضن المنون.
    الكل حبس أنفاسه ليستمع الى صوتها الهادئ، وكأنها تعزف سيمفونية الموت .
    كل حياتي تغيرت منذ ذلك اليوم الكئيب المشحون بالذكريات المفجعة، كنا نجلس وبجانب أبي رجل كبير السن يناهز الستين، وأمي امرأة خمسينية لازالت تملك مسحة جمال ساحر، رغم قساوة الحياة التي تعيشها، وأختي شهلاء في ربيعها العاشر نتبادل الحديث، وتعلو ضحكاتنا في أرجاء المكان.
    فجأة، دقّ جرس الباب، أسرعت شهلاء كعادتها إلى الباب، هنا لم ندرك ما حدث فصراخ شهلاء أفجعنا، هرعنا مسرعين لنرى ماذا حدث.
    لم تصدق عيناي، شعرت أني أصبت بالشلل لم أقوَ على الحراك.
    لقد انقض على شهلاء ذلك الداعشي الممسوخ كالوحش الكاسر، ذو شعر منكوش يغطي وجهه القبيح، الصور تزاحمت أمام عيني، ثم تحولت إلى لهيب من الرصاص المنصهر، لتمزق قلبي إربا إربا، وثب عليها مثل كلب مسعور، وهي تقاوم وضفائرها الذهبية لم تقيدها كانت حرة تصرخ لن أستسلم، ستظل ضفائري تنظر للعلياء.
    كان صوتها يأتي كأنه من بئر عميقة: أبي خلصني، أمي ساعديني...
    كانت أنفاسها تتلاطم كأمواج البحر، ترتفع، يدوّي صداها فيكتمها بقبضة تسقط على وجهها كالصاعقة، تتكسر لتستجمع قواها، فقد كانت روحها رهينة بين أنيابه، كانت تتوسل إليه بكلمات تقطع نياط القلب تخالجها حشرجة البكاء.
    غضب والدي غضبا شديدا، كان وجهه مكفهرا، منتفخ الأوداج، كاد ينفجر من شدة الغيظ، فكيف يقوى رجل غيور أفنى عمره في رعاية بناته أن يمر أمام ناظريه هكذا منظر، ارتمى عليه والدي وهو يحاول أن يجره، لكن جسده الهزيل المنهك لم يعنه، قذفه وارتطم بالحائط، وجمت عيناه وهو ينظر إلى ابنته تمزقها ظلمة الليل.
    أما والدتي فقد كانت ترتعد من الهلع تلتفت يمينا وشمالا، تبحث عن شيء تنقذ به طفلتها، وقع نظرها على عصا والدي أمسكتها وانزلتها بقوة على هامته، أمسكت شهلاء أرجوحتها تحاول الهرب، لكنه لم يفلتها، أمسك امي بقسوة وهي تصرخ من شدة الألم ثم رفعها إلى الأعلى ورماها، فهوت إلى جدار البؤس مضرجة بدمائها، وبقيت الأرجوحة تروح وتجيء تنتظر قدومها وبعد أن يئست توقفت لتكون شاهدة على هذه الجريمة.
    نظرت شهلاء وعيناها شاخصة إلى السماء، وكأنها ترجو من الله أن يقتص بعدله، من هذا الظالم، فلبى نداءها، دوي رصاصة اطلقت من سلاح حشداوي اخترقت رأس الداعشي غيّرت مسار أقدارنا.
    أغمضت عيني عليها، وهي ترفرف كطير مذبوح تسبح مخضبة بدمائها، ياسمينة تناثرت أوراقها، وفاح منها عبق الشهادة.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X