لقد وصفه أحد المقاتلين بأنه كان نورس الجبهة ينظر الى صورته بحيرة من أمره، يريد أن يقول: ابنك استشهد قبل أيام، لكنه لا يستطيع أن يخبرني بذلك، قلت له: يا بني، أنا أعرف أن ابني استشهد قبل أيام، وأنا دفنته بيدي، وجئت أحمل معي ملابسه وسلاحه.
قال احد الضباط وهو يرحب بي: نحن بالخدمة ماما، قلت له: جئت لأضع صورة ابني على أعلى حجاب في الميدان، ويعني أني قررت أن أشغل مكانه، أن أقاتل بسلاحه وملابسه، أنا أمّ (قصي جمعة سهران)، نعم أنا، ينظرون اليّ بدموعهم وبعضهم لم يتحمل الموقف، أمٌّ تريد أن تقاتل مكان ابنها، وبكى كل من كان يشهد بالمحادثة.
قال ضابطهم: عمة من اتى بك الى هنا؟ كيف وصلت ونحن في اوج المواجهة؟ قلت: عندما تخرج ابني من كلية العلوم، رسمت في بالي أشياء جميلة رسمت له مستقبلًا أبيض، زوجة، وأطفالًا، ووظيفة، وأنا أصيح ابني عالم، أفتخر بأني ربيت عالما.
يسألني: وما فائدة عالم في وطن مخذول يا أمي؟ كنت اشعر اني لو منعته من الذهاب الى الجبهة سأندم طوال حياتي، سأخسر ابني، لذلك حملته شهيدا، وأنا جئت اليوم؛ كي لا اخسر نفسي، سأقاتل كما قاتلت الأمهات خلف ابنائهن في الطف الحسيني.
قال لي الضابط: عمة، ليس في قانوننا امرأة تقاتل، قلت له: اجعلوه، نحن لا نضحي بقانون، نحن نضحي بغيرة، هل هناك قانون كان يحتم على الأنصار أن يقاتلوا والحسين سرحهم من القتال، وخيّرهم أن ينجو بأنفسهم لكن عزة النفس لا تسمح لهم أن يتركوا الحسين وحيدا.
احتار الجميع في أمري، حتى صرّح احدهم، وكأنه عثر على الحل: ستديرين شؤون المطبخ يا عمة؟ قلت: عمة، انا جئتكم لأقاتل ما جئت لأعيش البيت هنا، أنا جئتكم المقاتل (قصي جمعة سهران) وليس أمّه، أريد أن أقاتل يا عمة.
كان قصي يحب السهر، لذلك انا سأقاتل الليل كله، تضامن الجميع معي وانا عاندت وصممت أن أقاتل.
:ــ بسيطة يا عمة، اكتبوا قانونا يجيز للأمهات القتال.
سألني احدهم من اجل ان يمسح الدمع عن هذا الموقف: هل تعرفين الرمي يا عمة؟ قلت له: دعني معهم وسترى، الفكرة يبدو انهم قبلوها على مضض، وفي اليوم الثاني التحقت بي أمّ اعترضوها فتحججت بي، أليست تلك هي امّ قصي على الجبهة؟ احتاروا من ابلغهن، واذا بعد أيام الجبهة تشهد قتال الأمهات، حشد أمّ البنين (عليها السلام).
لماذا لا يذكر الرجال هذه الوقفة؟ لماذا يخشون؟ ومن أي شيء؟ والله ما وقع حجاب لأمّ على الجبهات، والله ما كشفت شعرة من رأس أمّ وبعدما امتلأ الحجابات بالأمهات، انتهت الحرب واندحر الدواعش وظهرت الداعشيات على خزي، سألني صحفي: أمّ قصي كم شهيدة اعطيتن في المواجهة؟ أجبته: ألا تدري ان الرصاص يخاف من أمهات الشهداء؟!