يأخذني فضول الصحافة دائما، فأحمل أسئلتي وأذهب لأضع فتنتها أمام أهل الحوار، لأعثر على عمق معنوي للموضوع
هو فعلا أمر يجعلنا أمام مرتكز تأملي لماذا تخصصت ثلاث وفيات بثلاثة تواريخ لاستشهاد سيدة نساء العالمين، قد يبدو أمر اختفاء قبرها فيه معاني كثيرة منها خشية العابثين حقدا من الذين كان لهم الاستعداد الفعلي لنبش قبر الزهراء عليها السلام،
والبعض يرى أن الله شاء أن يكون قبرها الكون كله، المهم نرجع للسؤال، لماذا لوفاة الزهراء عليها السلام أكثر من تأريخ؟
يرى بعض المهتمين بهذا الشأن أن سبب تعدد مواسم إحياء ذكرى شهادة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(ع) هو تعدد الروايات الكثيرة التي ذكرت ذلك من علماء المذاهب جميعها، حتى أن الشيخ إسماعيل الأنصاري الزنجاني الخوئيني قد حصر في موسوعته الكبرى عن فاطمة الزهراء(ع) (ج15، ص33) الأقوال التي ذكرت شهادتها في (21) قولاً من (615) مصدراً، ابتداءً من (28 ربيع الثاني) وانتهاءً بـ (28 شوال) من سنة 11هـ... إلا أن الذي اشتهر بين شيعة أهل البيت(ع) في عصرنا هي ثلاث أقوال، وفيها يكون إحياء مواسم الفاطمية
التقينا بعض أصحاب المواكب من الذين يعتمدون على المصدر التاريخي الذي يذكر الرواية الأولى والتي تنصّ على أنَّ استشهادها (ع) كان في {الثامن من شهر ربيع الثاني وبناءً على هذه الرواية تكون الزهراء عليها السلام قد بقيت بعد أبيها أربعين يوما، وعلى ذلك تكون وفاتها في 8 ربيع الآخر على المشهور من وفاة النبي (ص) ويكون عمرها 18 سنة إلا شهرين واحدى عشر يوما
قلت: ـ لا بد إنكم اعتمدتم على مصادركم فما هي تلك المصادر التي أقرت بالرواية الأولى؟
فأجاب أحد رؤساء المواكب ويدعى الحاج إبراهيم أبو أحمد: ـ اعتمدنا على مصادر عديدة منها
كتاب (مواليد الأئمة: ص10) ذخائر العقبى: ص52، كشف الغمة: ج2: ص77، عيون المعجزات: ص47، العمدة: ص 390، كتاب سليم بن قيس في (ص392) وعن ابن عباس في البحار (البحار: ج43: ص7) و(مجمع النورين: ص154) ونقـــل في المناقـب (22) عن الفــريابي، وذهبنا لنلتقي ببعض أصحاب المواكب ممن يحتفون بالرواية الثانية والتي تنصّ على أنَّ استشهادها (ع) كان الثالث عشر من جمادي الأول وهذا يعني أن الزهراء عليها السلام قد بقيت بعد أبيها خمسا وسبعين يوما
ووفق هذا التاريخ، فعمرها 18 سنة إلا شهرا و7 أو 6 أيام سألتهم عن المصادر التي اعتمدوها في تخصيص هذا التأريخ؟ فأجابوني: ـ وردت تلك الرواية في صحــيح أبي عبيـدة وصحــيح هشـام بن سالم وبصائر الدرجات وعن المفضـــل بن عـمـرو الجميع عن الصادق (ع) وغيرهم (الكافي: ج1: ص241: ح4 وص458: ح1 وبصائر الدرجات: ص174: باب14: ح6، الكافي: ج1: ص228: ح3، الاختصاص عن عـبد الله بن سنان والخرائج
وأصحاب المواكب ممن يحتفون بالرواية الثالثة ويعتبرونها هي الأصح من خلال وثاقة المصدر والشواهد والقرائن لذا أصبحت الرواية الثالثة هي الأشهر والتي تنصّ على استشهادها (ع) في {الثالث من جمادي الثاني}
وبناءً على هذه الرواية تكون الزهراء عليها السلام قد بقيت بعد أبيها خمسا وتسعين يوما
طيب لا بد أن نعرف المصادر التي ارتكزوا عليها في هذه الرواية،
قالوا: ـ اختار هذه الرواية الطبري في دلائل الإمامة ص45،46.) والسيد ابن طاووس في (إقبال الأعمال) الشيخ المفيد في (مسار الشيعة: ص54) والشيخ الطوسي في (مصباح المتهجـد: ص793)، الشيخ الطبرسي في (تاج الأئمة: ص22) و(أعلام الورى ص300 فصل3) والنمازي في (سفينة البحار: ج2: ص85) والمرندي في (مجمع النورين: ص51)
المهم قلت لنقرأ بعض ما كتب الكتاب عن هذا التعدد الملحوظ والمعبر عنها بـ (أيام الفاطمية) أو (موسم الفاطمية)
يرى أحد الكتاب لعل في هذا الاختلاف مصالح، كما أن في اختلاف محل قبرها مصالح، ومن بركات هذا الاختلاف: أن يجتمع محبوها ليعقدوا عشرات الآلاف من مجالس العزاء والمآتم على مدى شهرين أو أكثر في البلاد الشيعية في المساجد، والبيوت والحسينيات والمراكز الإسلامية المتشحة بالسواد، ويطعمون الطعام في يوم شهادتها بكل سخاء، ويرقى الخطباء المنابر، ويتحدثون عن السيدة الزهراء (عليها السلام) وعن جوانب حياتها الزاخرة بالفضائل، والمناقب، والمواقف المشرِّفة، ويختمون كلامهم بذكر بعض مصائبها وآلامها التي جرت عليها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم).
أرى أن السبب الحقيقي في اختلاف هذه التواريخ هو السعي الذي كان مثابرا في منع تدوين الأحاديث، وكل ما يمت للدين بصلة بشكل عام، فترة مائة عام أو أكثر ساعد على خلق التشويش، ونسج الظنون بدل العلم واليقين.
ويرى سماحة الشيخ عبد الحسن نصيف، إن استشهادها سر ودفنها سر وقبرها سر وفي تاريخ استشهادها سر صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها.
وبقول الإمام الصادق صلوات الله عليه: إن أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الباطن وهو السر