إنّ أصل المعاناة الإنسانية يكمن في الانسياق وراء الشهوات والرغبة في تلبيتها، بحيث تتولد هذه الرغبة نتيجة عوامل عدة في النفس البشرية، إلا أن الجهل هو أصلها جميعا، فالجهل بالحقيقة يؤدي إلى الانسياق وراء الملذات التي تزداد في طبيعة الشر وهي: الشهوانية المتمثلة بالحِقد والوَهم، ينتج عنهما كل الأعمال السيئة.
الإنسان خليفة الله في الارض، نرى هذا المخلوق في صراع دائم مع قوتين متضادتين، وهذا الصراع مقسّم الى نزعات خير وشر. ﺘتغلب نزعة ﺍﻟشر ﻟﺴبب ﺃﻭ لآخر، لكن هذا ﻻ يعطي ﺍلغلبة بالقوة، ﻭﻻ يمنحهم حق فرض باطلهم على الآخرين ﺑﺎﻟﻌﻨﻒ والسطوة والنفوذ.
وهناك أمثلة كثيرة في هذا الشأن، حينما يسود الشر تصبح الناس مشردة ويعم الفساد في كل شيء، لكن حينما تسود الحرية والعدالة ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭالكرامة ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ نجد العكس من ذلك، التعايش والقبول بالآخر، والمحافظة على الحقوق ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، جميعها ﻣﺒﺎﺩﺉ دعت ﺇﻟﻴﻬﺎ الديانات ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﻳﺔ، ﻭأولها الدين ﺍﻹﺳﻼمي، أكدت ﻋﻠﻴﻬﺎ المواثيق الدولية، ﻭﻧﺎﺿﻞ من ﺃﺟﻠﻬﺎ ﺍﻷحرار ﻭﺍﻟﻤﺼﻠحون عبر القرون.
إذا ﺳﺎﺩﺕ نزعة الخير، ﻭأصبحت هي ﺍﻟسائدة في ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، سيسود ﺍﻷمن ﻭﺍﻻستقرار، ﻭيظهر ﺇبداع ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﻋﻤﺎﺭﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺮﻓﺎﻫﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﺠﺎﺯ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻹﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺳﻼﻡ ﻭﺃﻣﺎﻥ، في ظلّ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻭﺍﻟﻘﻴﻢ ﺛﺎﺑﺘﺔ التي ﻻ ﺗﺘﻐﻴﺮ.
ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﺘﺨﺎﺫﻝ ﺃﻭ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻳﻈﻠﻢ ﺃﺧﺎﻩ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺴﺘﻐﻼً ﺣﺎﺟﺘﻪ ﺃﻭ ﺿﻌﻔﻪ ﺃﻭ تتغير ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ وتكون ليست بصالحه، ﻭﺗﻠﻚ ﺳﻨﺔ ﺍﻹﺑﺘﻼﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻧﻬﺎﻳﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺩﻭﺭﺍﺕ ﻟﻠﺼﺮﺍﻉ ﻣﺎ ﺇﻥ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺣﺘﻰ تعود ثانية، اﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍلغنى ﻭﺍﻟﻜﺜﺮﺓ ﻋﻮﺍﺭﺽ ﻻ ﺗﺪﻭﻡ ﻟﻠﺒﺸﺮ ﺃﻓﺮﺍﺩﺍً ﺃﻭ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺃﻭ ﺩﻭﻝ، ﻭﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﻣﻦ ﻳﻀﻊ ﺣﺴﺎﺑﺎً ﻟﻠﻌﻮﺍﻗﺐ، ﻭﻻ ﻳﻔﺮّﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﻭﻻ ﻳﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ، اذا ﺃﻗﺒﻠﺖ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﺃﺩﺑﺮﺕ ﻭﺇﺫﺍ ﺳﻨﺤﺖ ﻟﻪ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺪﺍﺕ ﺃﻭ ﺳﺎﺀﺕ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻭﺗﺠَﻬّﻤﺖ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ.
كثير ﻣﻦ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﺮﺳﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺗﺮﻋﻰٰ ﺣﻘﻮﻕ ﻣﻮﺍﻃﻨﻴﻬﺎ ﻭان ﺑﻠﻐﺖ ﺷﺄﻭﺍً ﺑﻌﻴﺪﺍً ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺇﻧﺠﺎﺯﻫﺎ ﺣﻘﻘﺖ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭﺍﻟﺮﻓﺎﻩ، بينما عالمنا العربي ﻣﺎ ﺯﺍﻝ يعيش ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺨﻼﻑ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻒ، ﻭﻟﻬﺬﺍ أمتنا تعاني ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺏ ﻭﺫﻫﺎﺏ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻭﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺗﻌﺪﺩ ﺛﺮﻭﺍﺗﻬﺎ ﻭﺍﺗﺴﺎﻉ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ؛ لأﻨﻬﺎ ﺍﺳﺘﻔﺮﻏﺖ ﺟﻬﺪﻫﺎ ﻭﺃﻫﺪﺭﺕ ﺇﻣﻜﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﻴﺪ ﻭﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻭﺇﺷﻌﺎﻝ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻓﺄﻧّﻰ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻨﻬﺾ ﺃﻭ ﺗﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ!
ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺸﺮ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ والاستبداد ﻭﺍﻟﺒﻐﻲ جميعها متناقضات ستبقى ما بقيت الحياة، ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﺫﺏ! ﻭﺍﻟﻮﻓﻲّ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻋﻲ ﻭﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻻ ﻳﺼﺢّ ﺇﻻ ﺍﻟﺼﺤيح ومن هنا ننطلق.
إنّ غياب الفهم الصحيح للأحداث سيهدّد هذه الأمة بالتحوّل إلى أمّة مستباحةٍ أرضا ومتصارعة شعوبا، وهل هناك أمل في وصول أوطان العرب إلى أوضاع صحيحة وسليمة بحيث تنعم في خيرها.
إن نقد الواقع ورفض سلبياته مدخل صحيح لبناء وضع أفضل، لكنْ حين لا تحضر في مخيّلة الإنسان العربي صورة أفضل بديلة لواقعه، تكون النتيجة الحتمية هي تسليمه بالواقع تحت أعذار اليأس والإحباط وتعذر وجود البديل!
والمشكلة أكبر حينما يكون هناك عمل، لكنه عشوائيا، أو في غير الاتجاه الصحيح قد يغيب المنطق أحياناً وقد يتيه العقل في زحام الفوضى أو يصح الخطأ وتختل الرؤية لتظهر الصور ضبابية لكن لابد أن يأتي يوم لا يصح فيه إلا الصحيح ويعود المنطق ليحكم المشهد، وتعود العقول لجادة الصواب، وينقشع الضباب، ونعود بعد غياب كما جاء في محكم كتابه العزيز: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ».
نسأل الله ان يعم الامن والامان للامة الإسلامية، وان تتوحد كلمتهم لتستعيد قواها وخيرها المستباح.