البحث الجيد هو البحث الذي لا يكتفي بتسجيل الحوادث تسجيلًا أرشيفيا، وانما يبعث فيه روح الموضوع، وعند قراءة بحث (الأثر الإعلامي لفتاوى المرجعية الدينية في المجتمع العراقي، السيد السيستاني أنموذجا)، للباحثة أ.م.د سجا جاسم محمد، وم.د انوار مجيد سرحان من كلية الآداب جامعة بغداد، وجدنا فيه المؤثر الحياتي العام.
سعى الجهد البحثي لاحتواء اثر هذا الاعلام في المتلقي؛ كونه يدخل في جوانب حياتية مهمة، بمعنى ان النص البحثي اهتم بالقيم الروحية والدلالية والجمالية المعبرة عن الواقع، مع وجود توظيف مضموني اكبر قيمة من كل تدوين، وهو ان هذا الاعلام صادر من المرجعية، فهو يرتقي الى المضامين المقدسة في اغلب سماته؛ كونه تعبيرا عن الحياة والانسان ومرتبطا بالسمو الايماني، ولا احد من النقاد يعترض على ان الصفة الأخلاقية لها القدرة على اثارة السرور بما يحمل هذا الاعلام من اشراق مضموني يعمل على نشر الحقائق والمعلومات الدقيقة الصادقة بهدف التنوير والاقناع الابداع الإعلامي او الاعلام المبدع يعبر عن الجمهور ويزودهم بالحقيقة دون النظر الى موقعها النفعي.
الاعلام يدخل في جوانب الحياة كلها والمرجعية هي الحوزة العلمية التي كان لها دور كبير في الكثير من التحولات السياسية في العراق بعد سقوط النظام السابق.
الاعلام هو بعث القيم الروحية واستحضار ضمير الامة فالسيد السيستاني كان قائد الفتوى ومبدعها وصوت الإسلام الملتزم واعلام الموقف لذلك كان هو الرقم الأكثر صعوبة في المعادلة السياسية، فهو اكثر مرونة وحذرا على ممارسة متطلبات الحياة الديمقراطية من الأحزاب السياسية، فحمل قدرة الاعتراض ومرونة التوافق وقيادة الفطرة الإنسانية الى جنائن الوعي، وهو التعبير الاصدق لصوت العراق وتبلور هذا الصوت عبر العديد من المواقف مثلا حين تشجع الامريكان على سرقة ممتلكات الدوائر صدرت فتوى من مكتب السيد السيستاني في (23/3/2003م) حرمت عمليات النهب والسرقة، فأعيدت جميع المسروقات الى الجوامع والحسينيات ومثل هذا الفعل يحمل المضمون الديني الملتزم والموقف الوطني والإنساني وحافظ في مساعيه على روح الالتزام.
فهناك فتوى في(27 نيسان 2003م) نصت على ابعاد رجال الدين عن السياسة، وفتوى تدين الاعمال الاجرامية صدرت في (13 آيار 2003م) ورفض توزيع التراخيص لحمل الأسلحة الشخصية.
وسعى البحث لتوثيق هذه الفتاوى الهادفة، وكأنها هي السبيل الى ولادة الفتوى الأكبر روح الفتاوى، والقصد هنا هو تحمل المسؤولية لاستيعاب الحياة برؤى هادفة، سعت الى ضبط الموضع في المجتمع، وليدل على عظمة الإسلام الحقيقي؛ لكونه نظامًا شاملًا، ومدرسة متكاملة.
لخص لنا البحث المسيرة الظافرة لمضامين الارتقاء ومنزلة الصفاء الروحي غير المسيس ضمن ضوابط سياسية تحزبية، وانما وقفت المرجعية بعيدة عن الأداء السياسي اليومي، ولا تتدخل الا في القضايا المصيرية الحاسمة، لهذا انتجت جهد ولادة صياغة جديدة برواية فاعلة حملت الأثر الإعلامي في العديد من القضايا المهمة منها: قضية كتابة الدستور ورفض السيد السيستاني الصيغة التي تقدم بها الحاكم بريمر، وادى هذا الرفض الى ارباك الإدارة الامريكية التي بعثت العديد من الممثلين من داخل مجلس الحكم الى مقر المرجعية، ورفضت المرجعية مثل هذه الوساطات.
عندما يأخذ البحث دور السارد للأحداث يعمل على توثيق كل خطوة بمعناها المستمد من وطنية الموقف، واجمل ما يمكن أن يحمله البحث هو التعبير عن واقعية الواقع بتفاصيله بما يمتلك الموقف من مشاعر وعواطف ليعبر عن التأثير الإيجابي، فالمرجعية المباركة استمرت في متابعة العملية السياسية في العراق ودعمها واسست للانتخابات مع تأكيد عدم دعمها لأي قائمة انتخابية.
البحث في مكونات فتوى المرجعية يأخذنا الى عوالم شمولية لا تمتلك محددات مذهبية؛ كونها تمثل امة ولا تمثل فئة او جهة او مذهبا رغم انطلاقها من حيثيات الانتماء لأهل البيت (عليهم السلام)، وهنا جوهر القضية، مذهب اهل البيت كان يمثل امة ولا يمثل فئة دون غيرها، لهذا ساهمت الفتوى في الحد من إراقة الدماء عند الدعوة الى الوحدة والاعتدال، وهذا التوظيف التوثيقي يسعى للوصول الى منطلقات فتوى الدفاع المقدسة ودعوة القادرين للدفاع عن العراق ضد سيطرة داعش، وكان لهذه الفتوى الأثر الاعلامي الكبير في المجتمع العراقي.
تعليق