الأدب هو العلم الجامع لمحاسن الأقوال والأفعال ومكارم الأخلاق، والأدب من القيم الإنسانية والإسلامية الرفيعة، يتميز بها الانسان فتعطي للشخصية كمالًا وجمالًا، ويمكن القول إنّ أبا الفضل العباس (عليه السلام) قد نشأ وترعرع في الجامعة العلوية الكبرى التي أسسها من تربّى على يدي خير البشر صاحب الخلق العظيم والدين القويم.
إنّ الأدب الرفيع وحسن الخلق ميزة ميّزت العباس (عليه السلام) طول حياته الشريفة، وتفوق بها على من حوله سوى سادات الأدب وأفخمها، أبيه وإخوته الحسن والحسين (عليهم السلام).
بنى الإمام العباس إخوته مع اخيه الحسين على أساس قول الإمام علي (عليه السلام): «تُبنى الإخوة في الله، وعلى التناصح بالله، والتباذل في الله، والتعاون في طاعة الله...».
إنّ نصرة أبي الفضل العباس (عليه السلام) في طف كربلاء نابعة من علمه وأدبه وحكمته، ولم تكن ذات نزعة عنصرية بل كانت معرفة عميقة بإمامة الحسين (عليه السلام) وأنه الحجه على الخلق.
إنّ المعلم الأول للعباس (عليه السلام) هو نسخة فريدة لم يرَ لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديمًا ولا حديثًا، كان متميزًا بميزات كبيرة لم تجتمع لغيره، هو أمة في رجل أحاط بالمعرفة دون أن تحيط به، وأدركها دون أن تدركه.
كان كما قال رسول الله (ص): «أنا ميزان الحكمة وعليّ لسانه»، وقال: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها».
أخذ العباس العلم والأدب عن معلمه سيد الوصيين علي بن أبي طالب حيث قال الإمام علي(عليه السلام): «إن ولدي العباس زُقّ العلم زقا» وهو من زق الطير فراخه إذا اطعمهم غذاءهم، والمعنى المراد هو أن الإمام عليا (عليه السلام) أطعم العلم اطعامًا لولده العباس (عليه السلام) منذ حداثة سنه ونعومة أظفاره، قال الإمام علي السجاد (عليه السلام): «رحم الله عمي العباس فلقد كان نافذ البصيرة صلب الإيمان أبلى بلاء حسنًا حتى قطعت يمينه وشماله، فأبدله الله جناحين أخضرين يطير بهما مع الملائكة في الجنة».
إن قيمة الإنسان في همته العالية ولا شك أن الهمة العالية من الاخلاق الرفيعة التي تتحلى بها النفوس العظيمة، كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية».
قال الإمام علي (عليه السلام) أيضًا: «قدر الرجل على قدر همته» ما من إنسان بلغ مبالغ العظمة والكمال إلا وكان يتحلى بهمة عالية تميزه عن غيره من بقية الناس، وإلا فما الذي ميّز بعض الناس بالوصول إلى المراتب العليا والقيادية والرئاسية والعظمة في مختلف مجالات الحياة.
كان العباس مثال الهمة العالية والشرف والإيمان والشجاعة مما جعله يصل إلى اعلى المراتب، وصار من الذين خلدهم التاريخ، وصار علما من أعلام الهدى لازال يرهب النواصب.
إن شخصية الإنسان بلا شك ولا تردد تعتمد اعتمادا أساسيا على التربية والتعليم، وبعبارة أخرى فإن الإنسان وأي من الموجودات الأخرى يعيش بين قوتين متعاكستين وهما قوة الدفع وقوة الجذب.
إن القاعدة الاساسية التي تُبنى عليها الشخصية المعنوية للإنسان الاجتناب عن المعاصي والذنوب والتحلي بالمعاني الإنسانية الرفيعة والقيم الأخلاقية السامية.
لقد وردت في القرآن الكريم آيات مباركات تبيّن أن الغاية من بعثة الانبياء إلى البشر هي للتزكية والتعليم، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» [الجمعة/2].
إنّ العلم فريضة على المسلمين، قال النبي(ص): «العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، وقال: «اطلبوا العلم من المهد الى اللحد»، ان التعلم يبدأ من الطفولة في المهد، ولا ينتهي إلى نهاية عمر الإنسان.
إن التعليم يعدّ أبرز الوسائل لإعداد الطاقات البشرية وصقلها حتى نجد اجماعا فيما بين الباحثين أن الحاجة إلى التعليم ضرورة من ضروريات البقاء والنماء للإنسان في اي مجتمع من المجتمعات، وفي أي زمان ومكان مع تطور الحضارة الإنسانية وتعقيدها، اصبح حق الإنسان ان يتزود بقدر معلوم من التعليم المنظم والمنتظم، واصبح التعليم من الحقوق الأساسية التي نصت عليها المواثيق الدولية ضمن لائحة حقوق الانسان.
يعرف التعليم بأنه نقل المعرفة والمهارات والقيم من المعلم إلى المتعلم ويشترط وجود المعلم والمتعلم ويقوم المعلم بنقل المعارف والمهارات والقيم الى المتعلم، فالعلم له أهمية كبرى في الحياة، قال الإمام علي (عليه السلام): «العلم باني الروح الإنسانية».
التعلم والتربية مهمة في حياة الانسان، يرى العلماء أن التربية عامل قوي جدا حيث يقدر أحيانا على توقيف عمل خواص الوراثة السيئة وتعود بالأفراد الى طريق السعادة والكمال.
وقد لا تعطي التربية نتيجة حسنة كاملة، وهذا يتبع الخصوصية الفطرية للأفراد حيث انها متفاوتة، فللتربية والتعليم اهمية في إظهار الكمالات الباطنية للبشر واخراج الاستعدادات الفكرية إلى حيز الفعلية.
ومن هنا ادعو الامهات إلى الانتباه الى الاطفال وعدم زج الطفل في الشارع؛ لأن ترك الطفل يجعله يكتسب عادات سيئة يمكن ان تسيطر على نمط حياته بالكامل، فالإنسان لا يمكن ان يصل إلى الكمال اللائق بدون التعليم والتربية الصحيحة، ولا يمكن ان يسير بدونها في الطريق الذي ينبغي ان يسير فيه، فالتربية والوراثة متقابلتان والفرق بينهما تكمن في ماهية الأولى التغير، وماهية الثانية الثبوت.
إن الشخصية الفذة لأبي الفضل العباس (عليه السلام) كانت قائمة على اساس الارتقاء والتكامل من الناحية الوراثية والتربوية، ولاشك ان المشيئة الإلهية والإرادة النافذة هي التي افاضت عليها الأنوار القدسية والسجايا العلية فقويت جذورها واخضرت أغصانها فكانت مهبطا للتجليات ومحورا للكرامات، وأبت أن لا تنضم الا إلى عظماء الولاية، وأركان الطهارة، حتى كادت ان تنال العصمة الإلهية.
إن القاعدة الأساسية التي تبنى عليها الشخصية المعنوية للعباس هي التحلي بالمعاني الإنسانية والقيم والأخلاقية والكمالات والسمو الرفيعة. وخلاصة البحث أن للولد حقوقا على والده منها: اختيار الأم؛ لأنها توثر على الولد بالوراثة إلى جانب وراثته من ابيه الصفات الجسمية والعقلية.
وحق اختيار الاسم للولد؛ لأنه يؤثر على شخصية الطفل؛ لأن الاسم الطيب ينعكس على الولد ويعطي انطباعًا حسنًا، وقد أوصى الرسول العظيم على تحسين أسماء الأولاد، وكذلك من حقوق الاولاد على الاباء المبالغة في تأديب الولد اي تعليمه؛ لأن قلب الحدث كالورقة البيضاء يمكن ان ينشأ عليها المعلم ما شاء والمعلم الاول للولد هو أسرته، وتأتي الأم بالمرتبة الأولى والأب والإخوة في المرتبة الثانية.
وللتربية والتعليم اهمية كبرى حيث أن لها القدرة على ان توقف عامل الوراثة والتغلب عليه، فالطفل الصادق عند وضعه مع أطفال يكذبون سوف يتعلم الكذب وتصبح صفه ملازمة له او بالعكس هذا كمثال.
ان الامام عليا طبق كل الوصايا والامور الخاصة في بناء شخصية الانسان عندما أراد ان ينجب بطلا ينصر الحسين على أعدائه، فاختار امرأه ولدتها الفحول من العرب.
قد ورث العباس الشجاعة عن أخواله وعن ابيه، فكانت معلمته الأولى السيدة الفاضلة أمّ البنين التي ربته على الأخلاق الحميدة، وتعلم منها ومن ابيه وإخوته حتى صار مثالا وقدوة يُقتدى به.
تعليق