بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدواله الطاهرين المعصومين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصف الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عزّ من قائل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 1 ، وفاطمة سلام الله عليها نشأت متخلقة بخلق ابيها ذلك الخلق السامي العظيم، ولعلنا ومهما حاولنا إيفاء جميع جوانب تلك الأخلاق السامية او ان نستوعبها خلال وريقات قليلة نجد أنفسنا قاصرين عاجزين عن إداء كل معانيها، لذا فان بيان ثلاثة جوانب من ذلك السمو الخلقي ربما يفي بما نحن فيه. عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام
تجد في صلاتها الخلوص للواحد الأحد، والخشوع والخضوع والاعتراف بالعبودية لله تبارك وتعالى. حيث كانت عليها السلام وكما قال الامام الحسن عليه السلام: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار 2. ومن يدري لعلها سلام الله عليها كانت تدعو في جوف الليل والاسحار لشيعتها ومواليها، لانها كانت تجسد معنى الانسانية بخلقها الكريم، اذ هي سيدتنا وسيدة نساء العالمين وقدوة المؤمنات والمؤمنين.
وهذا الخلق المتجسد في صلاتها وتعقيباتها إن هو إلّا مثلًاً يقتدي به كل موالٍ لها، لان الصلاة سمة المؤمن ومعراجه، بل هي الرابطة بين العبد وربه، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ 3 وبذكره تنجلي النفوس وتسموا وترتفع وتنتهي عن كل فاحشة ومنكر ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... ﴾ 4.
ثم ان الإنسان العاقل يجد في ذاته القدرة على ان يحدد موقعه في مختلف مناحي حياته، فهو ولا ريب يمكنه ان يتعرف بذاته على مدى إيمانه من قوة وضعف، ميزانه في ذلك صلاته. فالخلوص والإحساس بالخضوع والخشوع لله جلّ وعلّا أثناء الوقوف بين يديه للصلاة علامة للإنسان بان إيمانه بخير، كما ان الاستعداد والتهيؤ للصلاة بقلب ينبض بالحيوية والشوق عند سماع المؤذن ينادي" حي على الصلاة" إن هو إلا دلالة وعلامة يستدل بها ويتعرف على قوة إيمانه ورسوخه في قلبه، والعكس صحيح هنا أيضا، فلا يدل التثاقل والتكاسل عن تلبية نداء الرب، الا على عدم رسوخ الإيمان. كما ان من علامات تزلزل الإيمان وعدم رسوخه، أداؤها باعتبارها واجبا فحسب يتخلص منه الإنسان، فيقف راكعا ساجدا دونما خلوص او خشوع، كصلاة ذاك الإعرابي حين وقف يصلي في المسجد والنبي صلى الله عليه وآله جالس مع أصحابه، فقال متعجبا من صلاة الإعرابي:" نقر كنقر الغراب، لو مات هذا وهذه صلاته لم يكن من امتي" 5.
القدرة على اكتشاف مواطن الضعف وبالتالي اصلاحها هي من سمات الإنسان اللبيب، فهو حين يشعر بضعف ما كأن يصيبه دوار في رأسه او ألم في موضع من بدنه، لا شك انه سوف يبحث عن العلاج فيسارع الى الطبيب ليشخص الداء ويصف له الدواء. كذلك الحال حينما يتبين له ان إيمانه لم يترسخ بعد في قلبه، او أنه يعاني من ضعف في الإيمان، لابد وان يبحث عن مكمن هذا الضعف ومنشئه بميزان عقله الذي وهبه الله إياه، وان يتفحص موضع المشكلة والخطأ ليشخص موضع الصواب، وبالتالي ليصلح نفسه. وبتعبير آخر؛ متى أراد الإنسان ان يعرف ميزان الإيمان في قلبه وان يعرف حدود تكامل شخصيته وهل هي قوية صابرة إيمانية، لابد له ان ينظر إلى صلاته، لان الصلاة قربان كل مؤمن، وهذه الوسيلة للنجاة وهذه الرابطة بين العبد وربه إن هي الا سبع عشرة ركعة بالضرورة، والصلاة الحقيقية إحدى وخمسون ركعة، منها إحدى عشرة ركعة نافلة الليل، وركعتان نافلة الصبح. وثماني ركعات نافلة الظهر قبل الفريضة، وثماني ركعات نافلة العصر قبل الفريضة أيضا وأربع ركعات نافلة المغرب بعد الفريضة، وركعتان من جلوس نافلة العشاء؛ تحسب بركعة من قيام، هذه النوافل مع الفرائض إن هي الا إحدى وخمسين ركعة هي من علامات المؤمن، بل وبركة لعمره يرتقي الإنسان الى مراتب السمو والعروج الى الله تعالى والقرب منه.
وربما يتساءل البعض عن إمكان أداء نافلة الليل قبل الذهاب إلى النوم متعللا بأسباب قد تبدوا من وجهة نظره وجيهة، إذ ان وقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء الى الفجر، والواقع كذلك، فهناك من لا يستيقظ لصلاة الليل لعلة او أخرى، ولكن الأفضل ان تصلى النافلة بعد منتصف الليل والأفضل ان تصلى في الثلث الأخير منه، وأداؤها كذلك ربما يصعب على البعض او يمنعه الشيطان عن أدائها، لكن الإرادة الإيمانية القويمة هي التي تنتشل المؤمن من هذه المعاناة، وليست هي الا تجربة وتمرين، فالإنسان إذا ما صلى في ليلة ركعتين هدى ثوابها للصديقة الكبرى سلام الله عليها، ومرّن نفسه على ذلك ليال ثم يزيدها إلى أربع ركعات ومن بعدها إلى ست ركعات ثم ثمان ثم عشرة ثم إحدى عشرة، وبمرور الليالي سينهض في الثلث الأخير من الليل وكأن أحدا يوقظه، بل سيكون في موقع جدير بأن يوكل الله تعالى ملكا خاصا به ينهضه للصلاة، وتلك سجية المؤمن بالله تعالى وخلق الموالي للصديقة سلام الله عليها.
ونحن اذ ندعو الى الصلاة نعلم يقينا ان من ندعوه من اهل الصلاة، لكننا بدعوانا نود ان نؤكد على ضرورة التعمق بالصلاة أولًا، ولان النوافل تجبر الفرائض ثانياً، ففي حديث للامام الصادق عليه السلام ما معناه ان الانسان إذا اراد ان تكون صلواته اليومية المفروضة صحيحة لابد ان يجبرها بالنوافل.
المصادر
1. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآية: 4، الصفحة: 564.
2. بحار الأنوار، ج 43، ص 81.
3. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 14، الصفحة: 313.
4. القران الكريم: سورة العنكبوت (29)، الآية: 45، الصفحة: 401.
5. بحار الانوار، ج 81، ص 234.
اللهم صلِ على محمدواله الطاهرين المعصومين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصف الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عزّ من قائل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ 1 ، وفاطمة سلام الله عليها نشأت متخلقة بخلق ابيها ذلك الخلق السامي العظيم، ولعلنا ومهما حاولنا إيفاء جميع جوانب تلك الأخلاق السامية او ان نستوعبها خلال وريقات قليلة نجد أنفسنا قاصرين عاجزين عن إداء كل معانيها، لذا فان بيان ثلاثة جوانب من ذلك السمو الخلقي ربما يفي بما نحن فيه. عبادة فاطمة الزهراء عليها السلام
تجد في صلاتها الخلوص للواحد الأحد، والخشوع والخضوع والاعتراف بالعبودية لله تبارك وتعالى. حيث كانت عليها السلام وكما قال الامام الحسن عليه السلام: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار 2. ومن يدري لعلها سلام الله عليها كانت تدعو في جوف الليل والاسحار لشيعتها ومواليها، لانها كانت تجسد معنى الانسانية بخلقها الكريم، اذ هي سيدتنا وسيدة نساء العالمين وقدوة المؤمنات والمؤمنين.
وهذا الخلق المتجسد في صلاتها وتعقيباتها إن هو إلّا مثلًاً يقتدي به كل موالٍ لها، لان الصلاة سمة المؤمن ومعراجه، بل هي الرابطة بين العبد وربه، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ 3 وبذكره تنجلي النفوس وتسموا وترتفع وتنتهي عن كل فاحشة ومنكر ﴿ ... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ... ﴾ 4.
ثم ان الإنسان العاقل يجد في ذاته القدرة على ان يحدد موقعه في مختلف مناحي حياته، فهو ولا ريب يمكنه ان يتعرف بذاته على مدى إيمانه من قوة وضعف، ميزانه في ذلك صلاته. فالخلوص والإحساس بالخضوع والخشوع لله جلّ وعلّا أثناء الوقوف بين يديه للصلاة علامة للإنسان بان إيمانه بخير، كما ان الاستعداد والتهيؤ للصلاة بقلب ينبض بالحيوية والشوق عند سماع المؤذن ينادي" حي على الصلاة" إن هو إلا دلالة وعلامة يستدل بها ويتعرف على قوة إيمانه ورسوخه في قلبه، والعكس صحيح هنا أيضا، فلا يدل التثاقل والتكاسل عن تلبية نداء الرب، الا على عدم رسوخ الإيمان. كما ان من علامات تزلزل الإيمان وعدم رسوخه، أداؤها باعتبارها واجبا فحسب يتخلص منه الإنسان، فيقف راكعا ساجدا دونما خلوص او خشوع، كصلاة ذاك الإعرابي حين وقف يصلي في المسجد والنبي صلى الله عليه وآله جالس مع أصحابه، فقال متعجبا من صلاة الإعرابي:" نقر كنقر الغراب، لو مات هذا وهذه صلاته لم يكن من امتي" 5.
القدرة على اكتشاف مواطن الضعف وبالتالي اصلاحها هي من سمات الإنسان اللبيب، فهو حين يشعر بضعف ما كأن يصيبه دوار في رأسه او ألم في موضع من بدنه، لا شك انه سوف يبحث عن العلاج فيسارع الى الطبيب ليشخص الداء ويصف له الدواء. كذلك الحال حينما يتبين له ان إيمانه لم يترسخ بعد في قلبه، او أنه يعاني من ضعف في الإيمان، لابد وان يبحث عن مكمن هذا الضعف ومنشئه بميزان عقله الذي وهبه الله إياه، وان يتفحص موضع المشكلة والخطأ ليشخص موضع الصواب، وبالتالي ليصلح نفسه. وبتعبير آخر؛ متى أراد الإنسان ان يعرف ميزان الإيمان في قلبه وان يعرف حدود تكامل شخصيته وهل هي قوية صابرة إيمانية، لابد له ان ينظر إلى صلاته، لان الصلاة قربان كل مؤمن، وهذه الوسيلة للنجاة وهذه الرابطة بين العبد وربه إن هي الا سبع عشرة ركعة بالضرورة، والصلاة الحقيقية إحدى وخمسون ركعة، منها إحدى عشرة ركعة نافلة الليل، وركعتان نافلة الصبح. وثماني ركعات نافلة الظهر قبل الفريضة، وثماني ركعات نافلة العصر قبل الفريضة أيضا وأربع ركعات نافلة المغرب بعد الفريضة، وركعتان من جلوس نافلة العشاء؛ تحسب بركعة من قيام، هذه النوافل مع الفرائض إن هي الا إحدى وخمسين ركعة هي من علامات المؤمن، بل وبركة لعمره يرتقي الإنسان الى مراتب السمو والعروج الى الله تعالى والقرب منه.
وربما يتساءل البعض عن إمكان أداء نافلة الليل قبل الذهاب إلى النوم متعللا بأسباب قد تبدوا من وجهة نظره وجيهة، إذ ان وقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء الى الفجر، والواقع كذلك، فهناك من لا يستيقظ لصلاة الليل لعلة او أخرى، ولكن الأفضل ان تصلى النافلة بعد منتصف الليل والأفضل ان تصلى في الثلث الأخير منه، وأداؤها كذلك ربما يصعب على البعض او يمنعه الشيطان عن أدائها، لكن الإرادة الإيمانية القويمة هي التي تنتشل المؤمن من هذه المعاناة، وليست هي الا تجربة وتمرين، فالإنسان إذا ما صلى في ليلة ركعتين هدى ثوابها للصديقة الكبرى سلام الله عليها، ومرّن نفسه على ذلك ليال ثم يزيدها إلى أربع ركعات ومن بعدها إلى ست ركعات ثم ثمان ثم عشرة ثم إحدى عشرة، وبمرور الليالي سينهض في الثلث الأخير من الليل وكأن أحدا يوقظه، بل سيكون في موقع جدير بأن يوكل الله تعالى ملكا خاصا به ينهضه للصلاة، وتلك سجية المؤمن بالله تعالى وخلق الموالي للصديقة سلام الله عليها.
ونحن اذ ندعو الى الصلاة نعلم يقينا ان من ندعوه من اهل الصلاة، لكننا بدعوانا نود ان نؤكد على ضرورة التعمق بالصلاة أولًا، ولان النوافل تجبر الفرائض ثانياً، ففي حديث للامام الصادق عليه السلام ما معناه ان الانسان إذا اراد ان تكون صلواته اليومية المفروضة صحيحة لابد ان يجبرها بالنوافل.
المصادر
1. القران الكريم: سورة القلم (68)، الآية: 4، الصفحة: 564.
2. بحار الأنوار، ج 43، ص 81.
3. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 14، الصفحة: 313.
4. القران الكريم: سورة العنكبوت (29)، الآية: 45، الصفحة: 401.
5. بحار الانوار، ج 81، ص 234.
تعليق