تسعى الكتابة دائما إلى تقديم رؤية الكاتب عبر أساليبه المتنوعة، والكاتبة (أمونة جبار الحلفي) تعمل من أجل توصيل فكرتها عبر تلك الأساليب السردية بفكرة الاستفادة من وجود الرموز المقدسة؛ لتفجير طاقات الإبداع عبر النهل من شذرات الرمز، مثلما فعلت في موضوع شذرات من وصية المولى أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمفردة في وصية الإمام علي (عليه السلام) تجعلنا أمام واقع دلالي وإيحائي الى معنى أوسع، فالكاتبة استندت الى تشخيص معنى الإخلاص الرباني لوجهه تعالى، مضمون خاص محمّل برؤية ثقافية دينية عبر مفهوم العبادة، لا بدافع الدخول الى الجنة أو الخلاص من النار، يسعى لنيل الكمال البشري؛ كون الصلاة عنوان العبادات.
غير أن التفاعل النصي عند (أمونة الحلفي) يستند الى الاستشهاد، طريقة لتحديد مصدر المعلومة، ولكونها تؤسس المضمون الذي تسعى لصياغته، هناك استشهادات كاملة، أي هي تعد أن الانتقاء الأمثل قادر على احتواء المشاعر ومجاراة معطيات الواقع، لذلك نجد أن النصّ التاريخي يحمل الكثير من المضامين والدلالات، ويبحث الانتقاء النصي عن الجرأة في المصدر، مما يجعلنا أمام فاعلية الرمز والاستشهاد.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن البغضة حالقة الدين»، فخطاب الإمام علي (عليه السلام)، لم يكن حصرا على أبنائه بل كان خطابا شموليا إلى العالم ليوسع - كما تقول الكاتبة - دائرة المخاطبين، ولتوصلها إلى تشخيص جميل هو عمق ترسيخ البعد الإنساني في داخله (عليه السلام).
والوصية ذاتها تمنحنا خصوبة ذهنية وقوة في الفكر، فكانت أغلب الوصايا عن حسن النوايا والالتزام الديني، وخشية الله وبساطة العيش، وتعتمد (أمونة الحلفي) على تنوع توظيف النصوص مع حضور المضمون الذي تشتغل عليه هو الاقتداء بالرمز المقدس في موضوعها:
«ماذا سيفعل الملائكة عند النزول على الإمام عليه السلام»
دائما تحاول خلق التبرير الذكي لشرعية الاستلال مرة بالاستفهام، ومرة بسبب النص التاريخي الى حيثيات الواقع، أي بمعنى الماهية وتجلياتها، لتصل الى تأويل أو شرح تفصيلي بنزول الملائكة في ليلة القدر حسب المفهوم الشيعي، وهذه رؤية أمة لها جوهرها وأصالتها ومفهومها الكوني، البحث روح المعنى يعني البحث عن روح العصر:
«إن الملائكة تنزل لتقديم مقدرات السنة لإمام الزمان عليه السلام، عندما يتم إمضاء تقديرات العالم وتصبح قطعية، والإمام يعلم جميع مقدرات الأمة حتى نهاية العام المقبل وليلة القدر».
وتستشهد بقول الإمام السجاد (عليه السلام):
«سلام دائم البركة إلى طلوع الفجر».
لدى هذا الكاتبة وسيلة للإقناع وإعطاء الرأي الذي هو قابل للنقاش، هذه هي فاعلية التدوين الذي هو عبارة عن رأي شخصي.
وفي موضوع آخر بعنوان «الهدنة في زمن الإمام الحسن (عليه السلام)» يحس المتلقي بتنوع هذه العناوين ونبض التجدد وحيوية المعروض، الحيوية تعني قوة التأثير في المتلقي، ترى أن ظرف الإمام الحسن (عليه السلام) كان فيه أزمة وعي، والهدف من الهدنة كشف الزيف للأمة وإعادة وعيها، وفي ظروف الإمام الحسين (عليه السلام) كانت هناك أزمة إرادة، والهدف من الثورة هو هزّ ضمير الأمة وتقوية إرادتها.
أعتقد أن الفكرة واضحة، فهي تريد أن تخبر المتلقي، بأن الهدنة أو النهوض إرادة إلهية، وانما الأزمة الحقيقية هي عند المجتمعات وليس عند الرموز، أي أن هذه الكاتبة تحترم القارئ، وتعمل لتقدم الفكر بما يليق بمقامه كمتلقٍ، والعمل على توظيف بعض الامور الفنية لتضمن للنص قيمته الابداعية، ليس نقلا استنساخيا، بل هي مشاعر الكاتب؛ تبعا لمؤثرات النص فيه، وقراءة هذه المشاعر عبر تدوينها، مثلًا هي تحاول أن تبرر الاستلال باستدلالات الواقع، فهي ترى علينا أن نجعل الفكر والاستنتاج والتحليل في حياة الإمام له الحصة الأكبر؛ باعتبار هو المطلوب اتجاه نشر فكر الإمام وتسليط الضوء على حياتيات الرمز المقدس.
الناس في مجتمعات اليوم صارت تسمي الغدر دهاء، وهذه مسألة تعامل بها طغاة التواريخ والإمام (عليه السلام) يقول: إن مشكلتي أني ولدت على الحق، تبحث الكاتبة عن الموائمة، موائمة كل جملة توحي للواقع توائم العنوان، سياسة الإمام علي (عليه السلام) مع الموضوع مع النتيجة:
«أين أنتم يا من تنسبون أنفسكم إليه؟ الإمام علي (عليه السلام) كان منتصرا وهو مع الحق، ولم يتخذ الباطل منهجا، فاتعظوا».
تدخل الكاتبة (الحلفي) التاريخ بهدوء تناقشه بموارده دون ان تزج نفسها في خطاب طويل عريض، حسنتها أنها تنتقي الموارد:
«قال الخليفة الثاني وهو يريد تشكيل الشورى: أما والله لو وزن إيمان علي بإيمان أهل الأرض لرجحهم، والله إني اعلم مكان الرجل، لو وليتموه أمركم لحملكم على المحجة البيضاء، قالوا: من هو، قال: علي، سألوه: فما يمنعك من ذلك، قال: ليس لي إلى ذلك من سبيل».
إلى هنا توقفت عن استرسال الحدث التاريخي بمعنى أنها كان تبحث في مناطق المسكوت عنه لتبرزه، وهذا المسكوت عنه فيه كلام كثير، قد لا يرضي اطرافا كثيرة، لهذا لجأت الى التلميح وليس التصريح:
«خليفة له كامل النفوذ في الدولة يقول: ليس إلى ذلك من سبيل، أوه كم هي حجم المؤامرة إذًا».
وقفت الكاتبة أمام من يقول: إن هؤلاء الستة الشورى مات رسول الله وهو راضٍ عنهم، اين هو الرضى من شورى تشكلوا على قاعدة المؤامرة، والقضية طويلة، لكنها تقف عند الأفكار والأهداف، والصفة الأخلاقية التي تثير المشاعر، وتشخيص الإمام علي (عليه السلام) لقضاياهم كقضية تفضيل عبد الرحمن بن عوف لعثمان بن عفان؛ لأنك رجوت منه ما رجي صاحبكم من صاحبه، ولتصل إلى النتائج، ما وصل الأمر بقيادة الخليفة. وفي موضوع خديجة (عليها السلام) تركز على قضية رفع خديجة الأشواك عن طريق رسول الله، الأشواك التي ينثرها أبو وهب في طريق النبي (ص)، رفع الأشواك توحي إلى قضايا أعمق وأشمل، وهي رفع الهم عن رسول الله (ص)، رغم أن النصوص تبحث في حيثيات الرمز المقدس إلا انها استثمرته لتعدّ الحكمة والموعظة.
القضية غير معنية بالسرد بل في هدف السرد، بقيمة وجود الحكمة، إن الاستغفار في موضوع حقيقة الاستغفار باعتباره عزما وإرادة وطلب الغفران، وعد يقطعه على نفسه الإنسان على عدم العودة إلى الخطأ، والبحث عن معنى شمولية المعنى، قال الإمام الرضا (عليه السلام): «المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه»، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، يشخص: «الاستغفار مع الإصرار على الذنب يجدد الذنب»، ويشخص الرسول (ص) معنى الاستغفار: «هو الإقلاع عن الذنب»، وبهذا المعنى يرتقي الإنسان الى واقعية الحياة، ويثار السلوك الإنساني بمؤثرات وجدانية تستقيها من فاعلية الرموز المقدسة المنتقاة.