تويت
لا تقتصر لفظ كلمة المرض على الجسد ووظائفه الحيوية، بل تتعدى هذه الكلمة الحدّ المعتاد عليه؛ لتكون أشمل وأعمق، وذات أبعاد أبعد وأكثر شمولية لتصل إلى الذات الإنسانية المختلفة.
وتتعرض هذه الذات البشرية إلى الأوبئة مثلما يتعرض الجسد لغزو من الأحياء المجهرية الدقيقة والأمراض الفسلجية العضوية، كذلك الحال أيضًا بالنسبة للنفس يصيبها الاختلال، فتتهالك وتضعف قدرتها المناعية على التشافي والتسامح، والحب، والعطاء، وإفشاء السلام، والتناغم الروحي وغيره؛ وذلك بما تتعرض له من مشاكل وصراعات حياتية نفسية كثيرة، فتسبب لها أمراضًا عدة، ولعل أشدّها فتكًا بالذات البشرية هو الجهل.
ويعدّ من أكبر المعوقات في تطور سلم الذات الإنسانية والارتقاء والسمو والفضيلة والتهذيب؛ لأنه يدمّر كيان الفرد، ويجعله أكثر عرضة للمشاكل والمهالك، وذلك لانعدام البصيرة وجهل العيوب النفسية، فيكون عقدة سامة قابلة لتوارث الموروثات والمعتقدات السلبية والباطلة والآراء الخاطئة من المجتمع أو البيئة المحيطة به من دون أي وعي وإدراك، فيكتسب مسببات الأمراض ويخلق بيئة متكيفة مناسبة لنشوء مثل هذه الآفات النفسية منها:
التكبر، والعجب، والحسد، والمكر، والخداع، والحرص، والوقاحة، والشماتة، والرياء، والغيرة، والكذب، وغيرها من الأمراض التي تجرّد الإنسان من الشعور بالإنسانية، ويصبح تدريجيًا أكثر وحشية وفتكًا ومتعديًا حقوق الآخرين وسلبها.
إذن، عدم الوعي وانعدام الثقة بالنفس وعدم تقبّل الذات كلّها مسميات تحت عنوان إطار (الجهل)، فمعرفة الذات من الأمور المهمة في عملية بناء الذات، وتهذيب النفس، وتنقيتها من الشوائب والآفات، وإن الحياة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمعرفة والعلم والثقافة ورسم حدودها وإدراكها، فتختلف نظرات الإنسان في الحياة وتنطلق المسؤولية باتجاه نفسه كإنسان له قيم ودوافع واحتياجات وقدرات ومعتقدات ومفاهيم وأفكار صحيحة محترمة بها الطبيعة البشرية الإنسانية.
وعلى المرء ان يعي ذاته ولا يستخف بها؛ لأنها تنظم حاجاته وأهدافه البشرية وقدراته العقلية ومشاعره، وتوثق ثقته بنفسه وفهم الآخرين. فاحترامه يبدأ مع كل رحلة وعي واستكشاف لتحقيق التكامل والتوازن بينه وبين الآخرين، والسير في مسارٍ مستقيم واضح الرؤية والمعالم لا ذلّ فيه ولا ابتذال.