إنّ الحديث عن ثنائية الفن والالتزام في منهج الأدب الإسلامي يأخذنا عميقًا إلى سبر غور الفلسفة الإسلامية السامية، وروحها الوقّادة التي تجلي غبار التباطؤ، وتشحذ العزائم، نحو الأخذ بكل أسباب الرفعة والجمال، والاعتزاز بالوجود الإنساني على أرضٍ خلقها الله سبحانه؛ لتكون مأوى للطاقات والإبداعات الإنسانية، وليست للتقاعس والخمول.
إنّ الأدب الإسلامي هو ومضة التفاعل بين الفكر والعاطفة في فطرة الإنسان، تمدّها الأحداث والتجارب والعلوم، وآفاق الحياة الدنيا والآخرة والكون كله بالزاد والشحنات، حين تطلق الموهبة ومضة التفاعل هذا، وحين يروي الإيمان والتوحيد وصدق النية طاقات الإنسان العاملة في فطرته وكيانه، لتحمل الومضة معها عناصر الجمال الفني، وليشارك الأدب الأمة المسلمة في تحقيق أهدافها الإيمانية الثابتة والمرحلية، وليساهم من خلال ذلك في عمارة الأرض، وبناء حضارة إيمانية طاهرة، وحياة إنسانية نظيفة، وهو يخضع في ذلك كله لمنهاج الله (...) المنهاج الذي جاء لسانًا عربيًّا مبينا .
وإنه لعظيم الشرف أن يحمل الأديب لقب الأديب الإسلامي، ذلك الأديب الذي يحمل نبوة الدعوة، ونبوة الالتزام، ونبوة الحرية الإسلامية وفق تصورات جمالية كونية منفتحة، وليست تصورات مقيدة، تحكمها أهواء النفس، وفق منظور سطحي خامل.
إنّ الأدب الإسلامي، وهو يعبّر عن تجربة الأديب المسلم وموقفه من قضايا أمته العربية والإسلامية، ومن كل ما يشغل فكرها من اهتمامات وما ساورها من طموحات وما يجابهها من تحديات، ويعبّر عن موقع تجربته المتميزة من التجارب الإنسانية والعالمية، يعكس رؤية الإسلام الشاملة إلى الإنسان والمجتمع والواقع وكل الوجود، من جانب، ويسمو بهذا التعبير ليأخذ حليته من جماليات اللغة التي يجعل من نسقها أداة تعبير وتواصل، ومن جماليات الفن الأدبي الذي يجعل منه شكلًا ملائمًا لنقل وعرض تجاربه... هو طريق جديد للإبداع الفني من خلال التصور الإسلامي، يرعى القيم الإنسانية على أتم ما يرعاه أدب أو فلسفة أو تصور، له من آفاقه الإنسانية الشاملة الواسعة المتجددة الأثر في النفوس مجالات خصبة ثرة تجتذب الأدباء في كل لون وفن.
إنه أدب عربي يتخذ من التصور الإسلامي للوجود مضمونًا ومستلهمًا في النظر إلى قضايا الحياة والكون والإنسان، ولكنه أدب يجاوز المحاور الإقليمية والحدود القومية ليشمل المسلمين في أقطارهم كافة، والعالم بأسره، إنه أدب يبشر العالم بخط جديد وعوالم جديدة، ويضمن فيما يضمنه سلامة تراثنا الفكري، والإفادة من تراثنا الأدبي على أساس من التوليد والإبداع المتجدد ( ).
ورسالة الأدب الإسلامي، جزء من رسالة الإسلام الشاملة، ووسيلة من وسائله الفعالة، والإسلام الذي أمر المؤمنين أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد، وعلمهم أن الله نظيف يحبّ النظافة، جميل يحب الجمال، لم يتنكر في يوم من الأيام للجمال الذي هو من صنع الله تعالى وإبداعه، والبيان سحر وحكمة، أي جمال ومعنى، صورة فنية أخاذة، وحقيقة تشرق بالخير والحق والفضيلة والنور، أيمكن أن يكون الأدب أرفع وأروع من ذلك؟ ( ).