بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
إنّ من أهمّ النقاط الجهاديّة في حياة السيدة فاطمة (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) دفاعها عن الولاية ودفاعها عن الإمام عليّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، فلم تكن الزهراء المجاهدة لتتوانى عن نصرة إمامها، حيث نرى كيف كانت مستميتة في الدفاع عنه (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، وهي لم تكن تدافع عن زوجها بل عن إمامها، فضحّت في سبيل ذلك بكلّ غالٍ ونفيس، وقد أرادت أن تبقى نبراساً للحقّ يخبر كلّ من أراد معرفة الحقيقة على مرّ التاريخ عن ظلامتها وما جرى عليها، فهي ابنة النبي الوحيدة التي دفنت ليلًا ولم يحضر جنازتها إلّا خواصّها، وقبرها الشريف مجهول .
إنّ شخصيّة الزهراء(عَلَيْهِا السَّلاَمُ) سمحت لها بأن تصِرُّ على معاداة كلّ من ظلمها وتستشهد معلنةً غضبها عليهم حيث تقول الرواية وقد عادها القوم يسترضونها لكنّها أصرّت على موقفها... راجع :كتاب سليم بن قيس الهلالي، ج2، ص 869 ، فكانت صوت الحقّ الذي لا يمكن إسكاته أبدًا، وحافظت على معركتها لتبقى ناصعة مشرقة واضحة المعالم لكلّ ذي لبّ .
قدّمت لنا السيدة فاطمة (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) مثالَا مشرقَا في الدفاع عن الحقّ المتمثّل بالولاية، وهي تعلّمنا أن نستنفد كلّ الوسائل في ذلك السبيل، فهي التي لم توفّر أيّ نوع من أدوات القتال التي تقدر عليها إلّا واستخدمتها حتّى دافعت عن إمامها بجسدها الطاهر فمضت شهيدة مظلومة. فحريّ بنا أن نعرف ببصيرة الزهراء معالم المعركة ونخوضها بكلّ ما أوتينا من قوّة، وهو من أعظم الدروس التي ثبّتتها الزهراء (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) على مرّ التاريخ .
لقد قامت فاطمة الزهراء (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) بدور القائد الحقيقيّ . فمثل هذا السلوك لا يقوم به إلّا القائد الحقيقيّ، فهي بفعلها قد رسمت الحدود ووضعت القواعد للمواجهة المقبلة في قضية الدفاع عن الولاية. إلّا أنّ المسألة لا تنحصر بذاك الفعل التاريخيّ وإن كنا ما زلنا نعيش تداعياته حتّى يومنا هذا، بل إنّ المسألة بجوهوها تكمن في كون شخصيّة المرأة المسلمة شخصيّة قياديّة تبرز وتقود وتتسلّم زمام المبادرة متى دعت الحاجة لذلك، حيث كانت تلك الحادثة التاريخيّة أحد تجلّياتها .
وهذه بعضُ المقاطع المهمة لخطبتها (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) لَمَّا مَنَعُوهَا حَقَّهَا بِفَدَك:
روى عبدالله بنُ الحسن (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) باسنادِه عن آبائه (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) أنَّه لَمّا أجْمَعَ أبوبكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ، فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ
ثُمَّ قالت: ( أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْغَلُما أفْعَلُ شَطَطاً: ﴿ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم ﴾، فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)
أيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا ﴾، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، اذْ يَقُولُ: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ﴾، وَقالَ فيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) اذْ قالَ رَبِّ ﴿ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾، وَقَالَ: ﴿ وَ اُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه ﴾، وَقالَ: ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ ﴾، وقال: ﴿ انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ الْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾، وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي لارَحِمَ بَيْنَنَا !
ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نَحْوَ الْأَنْصارِ فَقالَتْ: يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أبِي يَقُولُ: (اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ)؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ !
فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلِبُونَ ﴾، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، ﴿ فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ ﴾،
فَالتَفَتَتْ فاطِمَةُ (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) وَقالَتْ: مَعاشِرَ النّاسِ المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ الخاسِرِ ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها ﴾، كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَ لَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ، وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ _ وَاللهِ_ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَ غِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، ﴿ وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبونَ ﴾، وَ ﴿ خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ ﴾، )، الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي ، ج 1، ص97.
كان الإمام أمير المؤمنين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ينتظر السيدة فاطمة الزهراء (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) زميلته في الجهاد، وشريكته في الآلام والآمال .
ينتظر رجوعها من ساحة الجهاد، من مسجد أبيها .
من المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في أكبر مركز إسلامي يومذاك .
رجعت وهي مرهقة بأتعاب الجهاد المتواصل .
وحياتها كلها جهاد .
رجعت وهي منتصرة، وإن كانت - في الوقت نفسه - مغلوبة على أمرها مظلومة مهضومة، منكسرة القلب، متعبة الأعصاب، حزينة .
انتصرت لأنها أعلنت للجماهير، للأجيال، للتاريخ أنها مظلومة، مغصوب حقها أنها أدانت السلطة بالخطأ المكشوف، بالاعتداء المقصود .
انتصرت لأنها عرّفت الإسلام كما ينبغي .
تحدثت عن النقاط الرئيسية في الإسلام، عن التوحيد عن النبوة والإمامة، وعلل الأحكام، وفلسفة الشريعة الإسلامية، وبكل ما يدور في هذا الفلك الواسع الشاسع.
ووصلت إلى بيتها، وقد بقي الشوط الأخير من أشواط الجهاد
رجعت لتكشف حقيقة أخرى لأهل العالم، للتاريخ .
واختارت - لكشف الحقيقة - هذه الطريقة وهذا الأسلوب أسلوب الحوار مع زوجها.
الحوار الذي يشبه العتاب .
وفي الوقت نفسه تتحدث عن الأحداث، عن موقف السلطة يومذاك .
عن موقف المسلمين الذين استولت عليهم الحيرة والدهشة والذهول .
الضمائر تؤنّبهم، والإحساس بالألم يُجري دموعهم، الخوف من السلطة يخرسهم، فهم في ذهول .
يرون شيئاً، ويسمعون أشياء .
يرون رئيس الدولة، وهو يدَّعي أنه يمثّل صاحب الشريعة الإسلامية ويسمعون من ابنة صاحب الشريعة (فاطمة) الآهات، وكلمات التظلّم والسخط على الحكام .
تعليق