بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمدواله الطاهرين المعصومين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
«وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ»[1]
قد وقع البحث عند المفسّرين في أن ما هو المقصود بالأعراف و مَن الرجال الذين هم على الأعراف؟
قال ابن منظور في لسان العرب: «عريف القوم: سيّدهم، والعريف: القيّم والسيّد لمعرفته بسياسة القوم، والعريف: النقيب، والجمع عرفاء. وعن ابن عبّاس: «أهل القرآن عرفاء أهل الجنّة»[2] وفيه أيضاً: «وعرف الرمل والجبل كلّ عال و ظهره وأعاليه والجمع أعراف، وقوله تعالى: (وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ)، الأعراف في اللغة جمع عرف، وهو كلّ عالٍ مرتفع. قال الزجّاج: الأعراف أعالي السور.[3]
والذي یظهر من روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ أصحاب الأعراف أرفع مقاماً من أصحاب الجنّة، وأنّهم مشرفون مهيمنون على كلّ من أصحاب الجنّة والنار، وأنّهم يُدينون كلّاً من الفريقين بالحساب، وأنّ أصحاب الأعراف ولاة الحساب.
فالقرآن الکریم وصف الرجال الذين هم على الأعراف بأنّهم يعرفون كلّاً من الفريقين بسيماهم، وهذا مقام رفيع!«يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ»
و الظاهر أنّ فی المعرفة للفريقين بسيمائهم دلالة على أنّ الفريقين لمّا يدخلوا الجنّة والنار بعد، وإلّا لكانت المعرفة بمثواهم لا بسيمائهم، فهذا المشهد التي تتعرّض له الآية هو قبل دخول الفريقين إلى الجنّة والنار.
ثم إن أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنّة ويسلّمون عليهم، وهذا يدلّ على أنّ لأصحاب الأعراف إشراف علی جمیع المحشر ويبشّرون أصحاب الجنّة بدار السلام وهي الجنّة.[4]
لکن مَن هم أصحاب الأعراف؟
قد ورد في الروايات عنهم عليهم السلام أنّ مصداقه الأتم هو عليّ عليه السلام، بل روي ذلك في مصادر العامّة[5] و ورد مستفيضاً أنّ أهل البیت علیهم السلام هم الرجال الذين على الأعراف الذین يعرفون كلّا بسيماهم.
فقد روي في «الكافي» عن مقرن، قال: «سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول:
جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، (وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ)، فقال: نحن على الأعراف، ونحن نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن الأعراف الذين لا يُعرف اللَّه عزّ وجلّ إلّا بسبيل معرفتنا، ونحن الأعراف يوقفنا اللَّه عزّ وجلّ يوم القيامة يوم الصراط، فلا يدخل الجنّة إلّا من عرَفَنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلّامن أنكرَنا وأنكرناه.
إنّ اللَّه تبارك وتعالى لو شاء لعرّف الناس نفسه حتّى يعرفوا حدّه، ويأتوه من بابه، ولكنّه جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا، فهم على الصراط لناكبون، فلا سواء من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدِرةٌ يفرع بعضها في بعض، وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربّها، لا نفاد لها ولا انقطاع»[6].
المصادر
[1] الأعراف: 48- 49.
[2] لسان العرب: 9: 238.
[3] لسان العرب: 9: 241 و 242.
[4] . تفسير ملاحم المحكمات، ص: 262.
[5] تفسير القمّي: 1: 231. الكافي: 1: 426، الحديث 70. معاني الأخبار: 59، الحديث 9. شواهد التنزيل: 1: 267، الحديث 261- 263.
[6] الكافي: 1: 141.
تعليق