"اللهم تقبّل منّا هذا القربان" دعاء دعت به عقيلة الطالبين بقلب سليم، وإيمان كامل، وتسليم لأمر الله وقضائه، بعدما رمقت بعينيها المغرورقتين إلى السماء، ورفعت جسد أخيها الحسين(عليه السلام) قليلا من على الأرض، ونادت: «اللهم تقبل منا هذا القربان» هو دعاء العرفان بنعمة الله وفضله على أهل بيت النبوة.
فالقربان هو كلّ ما يتقرّب به إلى الله في دم أو غيره للوصول الى الهدف الأسمى وتحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى. وقد ذكر القربان في القرآن الكريم في قصة ابني آدم قابيل وهابيل، قال تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»[المائدة/27]، فالحسين(عليه السلام) هو أعظم القرابين وأجلها من الذين ذُبحوا وسُفكت دماؤهم على عتبة الحرية والكرامة، وكانت الحوراء زينب موكلة من قبل أهل بيت النبوة بتقديم هذا القربان نيابة عنهم عن جدها وأبيها وأمها وأخيها، وكانت أهلا لتلك الوكالة، فهي من أكملت مسيرة الحسين في ثورته على بني أمية وحاربت ظلمهم وفسادهم بعده؛ لإصلاح أمة جدّها، فكان نحر الحسين هو نهر الحياة للامة الإسلامية بعد أن أماتها الظلم والطغيان .
وقد ترك دمه الشريف الذي أريق يوم عاشوراء في أرض الطف أثراً عميقاً في الانسانية جمعاء على مرور الدهور، فهو ثار الله، والوتر الموتور، ووريث الأنبياء، ووارث كلّ من أريق دمه في سبيل الله.
وقد روي كل ذلك في زيارة وارث: «السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، ووارث اسماعيل ذبيح الله، ووارث موسى وعيسى، ووارث كل الأنبياء».
إنّ للقربان دلالات وقيما منذ آدم وابراهيم واسماعيل، جسّدها الحسين(عليه السلام) بأحسن صورها، فكان جزاء هذا القربان ما أعطاه الله تعالى له من الرفعة والسمو، وخصّه بخصائص رحمته: «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»[البقرة/105] أي أن الأئمة من ولده، والشفاء بتربته، واستجابة الدعاء تحت قبته.
إذن، فالحسين هو وريد الحياة في جسد الامة الذي أحيى بها ذكر الله ورسوله، فدمه الشريف بنى صرح الحرية والفداء على أساس الثورة .
فهو مصباح الهدى وسفينة نجاة الأمة انقذها من بحر ظلمات الظلم والجور الى شاطئ الأمان ونور الحرية والمبادئ والقيم السامية في التضحية.
فواجب علينا أن نحيي مراسيم عاشوراء، وننحر القرابين لهذه الذكرى الأليمة؛ عرفانا من الإنسانية جمعاء بسيد الشهداء ولأمنا الزهراء ولسيد الأوصياء وخير الانبياء ولزينب الحوراء بطلة كربلاء لذلك الجميل: «فاللهم تقبّل منا هذا القليل».