الميعاد الأول:
المِئذنة:
أجمل ما في المئذنة، أن لها روحا وقلبا، وحباها الله سبحانه وتعالى بالوجدان وبالضوء. يعتقد بعضهم، أن المطر يغسل مآذن كربلاء، وتبيّن أن المآذن هي التي تغسل المطر.
صوتها يوقظ الناس للصلاة، يوقظ الجميع حتى الوحوش. صوتها يوقظ الورد أيضا، والأحلام، وصبر الجراح. إلى الآن دميتي تخشع عند كل أذان، وتبكي كلما تسمع باسم الحسين.
إلى الآن أطوي (المخدة) في حضني، وابتدئ نشيد الامومة:
(دللول.. يلولد يبني دلول).
كبرت الدللول، صارت بدل المهد تهزّ القبر: دللول.
يقولون لي: كبرتِ، وأنا كنت ارسم في طفولتي نخلة، دائما يجدون النخل يكبر على ورقي، واليوم صرت ارسم الخرائط، ومع كل هذا انا ما زلت أجيد رسم المئذنة.
ــــــــــــــــــــــــــ
الميعاد الثاني:
بلاغة الصمت:
حين يصمت العطر ينثر الورد حروفا مليئة بالأمنيات، في كل جملة، بل في كل حرف فيه عراق، حين يصمت الورد يعانق شذاه، تبتسم الشفاه، القلوب، الحروف على وجنتي القصيدة، ضحكة طفل غادرته السنوات عند شظايا رعشة ذابلة.
حين يصمت العطر تبتسم لغة العيون، انتم بحاجة الى من يقرأ لغة الجرح ليدرك معنى أن يُذبح في المهد رضيع، وهو يهمس للورد، للبهجة، لكل غد يحمل في رضاعته العطش، وصمت الفرات، وحقد حرملة في كل جيل. أناديه: لم تعرفني يا حرملة، أنا العاطفة، أنا العاصفة، أنا الصمت الذي يعلّم الكون معنى الكلام، وكل طفل يولد، أنا قبله أولد فيه، إلا انت ماتت طفولتك قبلك فيك.
أرعبتك بلاغة صمتي، فرأيتني امتشق العطر عند كل جرح انثره ليستنشق عطر أبي الحسين.
ـــــــــــــــــــــــــ
الميعاد الثالث:
لو.. أتمنى لو:
أتمنى لو ألتقيه، أكيد سنكون صديقين جميلين، نلتقي على ضفة الجرح، أنا من ستهز له المهد، النحر، على اي جهة سأضع الرضيع؛ كي لا يؤذيه السهم فينام.
سهم أحسّه بخاصرتي، وسهم آخر في القلب، وسهم ثالث في العين، وسهم عاشر، ألف، ألف الف، أتذكر انه كان سهما واحدا.
أتمنى لو التقيه، أمسح عنه التراب والدم، وأنومه بين الحقول، وأنشد له: (يلولد يبني)، وأجلب له المطر، سيتبعني الفرات سأسقيه سبيلا من مطر الرضيع، لتشبع عيناه ماء.
أتمنى لو أحمله، أوسّده على كتفي، يا علي، صحيح هو جسد صغير، لكنه اكبر من كل الخرائط والحدود، رضيع بعمر الجرح الذي طال قرونا.
صار الوطن الذي نلوذ به هو العراق، او ربما كان هو العراق فيه.