إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قراءة انطباعية في (لغة الأرض) للقاصّ: علي حسين عبيد قراءة: علي حسين الخباز

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة انطباعية في (لغة الأرض) للقاصّ: علي حسين عبيد قراءة: علي حسين الخباز



    خاص: صدى الروضتين
    قبل أن أبدأ قراءة مجموعة (لغة الأرض، للقاص علي حسين عبيد)، وهو العمل الحاصل على جائزة الطيب صالح العالمية، راودني سؤال: ما الذي يحدث حين يكتب الروائي قصصا قصيرة؟ ما الذي يتغيّر ولدينا مبدع تنوعت إبداعاته بين الرواية والقصص القصيرة والنقد والمتابعة الدقيقة للساحة الأدبية، ويكتب الشعر والتأريخ ويتنوع ويتجدد مع كل كتابة جديدة.
    في قصص لغة الأرض، لاحظتُ أهمية قراءة المحاور التالية:
    أولا: (النصّ الموازي):
    عنصر أساسي يتصدر واجهة الكتاب، ويعدّ الحجر الأساس والبوابة التي يدخل منها القارئ، وأقصد العنوان (لغة الأرض)، وهو عنوان شعري وانزياح مرسل بدلالة مضمونية، مع وجود العناوين الفرعية الدالة على عمق التناسق النصي، عناوين مثل: (أنين متوارث، مدن البارود، أزيز الذئاب، رجل يعدّ نفسه للرحيل، فِصام، خطايا الآباء، أورام ليست حميدة، مشاهد من سيرة الألم، حب جامعي، لغة الأرض، بساتين ملغمة، قيامة الجثة).
    العنوان منظومة فكرية تلخص رؤية الكاتب؛ باعتبار أن العنوان نصّ موازٍ يمكنه إعطاء ملخص فهم تخميني لسردية النص، بنى دلالية وتماثل ورؤية، ومنها رمزية حتى وإن ظهرت بصيغ مباشرة، بعض النقاد عدّ العناوين كنى تدور في القصة، كهوية للنصّ وحاملة لأفكاره ومركز المحتوى العام، في قصة أنين متوارَث نقرأ:
    «قلت لها محاولا رفع معنوياتها، إنه يشبه أباه، لم تجب بشيء، تقاطرت الدموع من عينيها، تنبَّهتُ إلى خطئي، أنا أذكّرها الآن بزوجها الذي خطفته الحرب»ص14.
    المبدع يستحضر كل أنساق النص وبؤره؛ لينتج نصّا آخر مكثفا، ربما عبارة عن مفردة، النص الموازي عناوين تمنحنا دلالاتها، وتجعلنا نشارك بعوالم في طور التكوين.
    مجموعة (لغة الأرض) لها عمق وثراء الرؤى الفكرية، مثل عنوان (بساتين ملغَّمة) التي نقرأ فيها:
    «هذه الزريبة على الرغم من صغر مساحتها وسقفها النايلون الواطئ وخلوها من فتحة التهوية، إلا أنها آوتنا وحمتْنا من برد الصحراء»ص129. وهناك عمق فلسفي يعبر عن البصيرة الواعية لواقع عراقي يناقش الهمّ الجمعي من جميع جوانبه الاجتماعية والأخلاقية، ويحث عبر تلك الرؤى على التماسك.
    ثانيا: (الفطرة):
    قانون الفن رصف الحياة في بنية التدوين، واقع حياة الناس، العراق، استقصاء في جوهر المعنى، لإبراز الفكر الاجتماعي، في قصة (أنين متوارث) تظهر قيمة التعاون ساعة الشدة، فهو يرى أن فطرة الإنسان تتجلى بالصراخ والألم، وهو أفضل من الصمت:
    «لتنطلق صرخة وليد جديد كأنها صرخة جنين أولي تراكمت منذ بدأ الخليقة وانطلقت اللحظة؛ كي تتحدى الحرب، وكل أشكال الموت الأخرى»ص12.
    وفي قصة (مدن البارود) نجد الحالة الاجتماعية تتوقد في فطرة الإنسان، فمنطق قانون الحرب يقول: «عليك أن تنقذ نفسك بأقصى سرعة ممكنة»، المعادلة بين القانون والالتزام الإنساني، ويضيف: أن لا تثق بأحد، في هذا الخراب تبخرت الثقة. ونقرأ في القصة أيضا:
    «خلع الرجل كوفيته البيضاء من فوق رأسه فجأة وقال لاهثا: هل تنفعك؟»ص23.
    القصة عند (علي حسين عبيد) تعبير عن موقف مثقل بالحكمة والخبرة ويشتغل على وجدان الفطرة،.
    في قصة (أزيز الذباب)، صراع بين التبرير وبين الواقع الفطري للإنسان العراقي الذي يتحدى سرّاق المخازن الحكومية، لا يشتري منهم ليدخلنا إلى مفاهيم الهوية العراقية الحقيقية:
    «الجوع لا يبرر السرقة، ولا يمكن معالجة الخطأ بالخطأ»ص237.
    وتتجلى هذه الفطرة في جملة العطار التي انتهت بها القصة: «الرازق حي».
    ثالثا: (التجليات الفنية):
    1- الحدث: تتنامى المواقف، وتتحرك عبرها الشخصيات مع أهمية الاعتناء بتصوير الشخصية أثناء عملها، تتجلى عبرها أهمية المكان والزمان، وسردية (علي حسين عبيد) تقرِّب لنا الحدث عبر المكون السردي الوصفي.
    يرى بعض النقاد أن الوصف في القصة عمل تزييني يشكل استراحة وسط الأحداث، ويؤكد بعضهم أنْ لا ضرورة له بالنسبة لدلالة الحكي، أي أن النقد أعطى الوصف صفة جمالية، بينما الوصف هو جزء مهم من توصيل الحدث وإخبار المتلقي بمجريات ما حدث عند عرضه لدقائق تفاصيل المشهد بشكل مؤثر، ويكون أحيانا جزءا مهما من توصيل الحدث، وإخبار المتلقي بالمجريات بشكل مؤثر، وغالبا ما يكون عنده هو جوهر القص:
    «وقفت بكامل قامتها مرعوبة، تتلفَّت في كل الجهات علَّ مسعفا يلوح لها في هذه الآماد الخالية إلا من أشباح القتل، وفعلا جاء المسعف، حين طارتْ نحوها شظية حادة ساخنة مدببة نبتت في رأسها، سقطتْ فوق أبيها، شاهدنا جسدين متشابكين معا، هرعنا إليهما، رأينا الأب مبتور الساقين، بدا كأنه يضمّ ابنته بقوة إلى صدره في لوحة لن ننسى مأساتها ما حيينا»ص88.
    2- الحوار:
    يساهم الحوار في بلورة الشخصية لمعرفة وزنها الاجتماعي وثقلها الفكري، ويساعد على تطوير الموقف، ومنه الحوار الداخلي:
    «آه يا بدرية، يا ساعة فرح في عمري المشبع بالعويل، أخذوك مني قبل أن تمدّي يدك وتستأصلي روح الشيطان القابع في رأسي»ص98.
    وقد اشتغل الحوار الداخلي عبر المناجاة وأحلام اليقظة والاسترجاع (فلاش باك)، واستمدت لغة الأرض قوتها من هذه الحوارات الضاجة بالفن:
    - الحروب التي أحرقت آمالنا وأضرمت النار في أحلامنا.
    - لكن أحلامنا غير قابلة للاحتراق. ص69.
    وسيلة رئيسة من وسائل السرد القصصي التي لمّح بواسطتها المنجز لبناء مرتكز داعم لسردياته الوصفية، الحوار يدعم السرد ليتمّ الإخبار بفنّ عالٍ، والحوار ما بين الشخصيات يرمّم الحدث، ففي قصة (قيامة الجثة)، نقرأ:
    - ماذا تريد من جدي؟
    - لي أمانة عنده.
    - جدي مات.
    - ألم يخبرْكم عن أمانة (جثة شاب) أودعناها لديه؟
    3- المكان:
    يُكسب المكان وعيا للإنسان الذي يشغل ذلك المكان، كدلالة مشعّة على قيم ورؤى، سواء إن كانت منفتحة أو منغلقة، فكل دالة مكانية تعطي انطباعا، إذ نجد في قصة: (أنين متوارث) أمكنة متنوعة وكل مكان هوية: «يتماوج من مكان بعيد، هكذا خيِّل إليّ لكنني أعرف مصدره، إنه جزء مني».
    تدور أحداث القصة أثناء النزوح: صحراء قصية سوف يكون مكانا لمخاض اقرب الناس، (فتحة البيت النايلون الوطن). المكان الصحراوي الذي يفتقر لكل شيء، والزمان القرين للمكان هو الليل، وانتظار الصبح، أزمنة الحرب، ويتسع المكان إلى المزرعة، لتصل عبر المكان والزمان وانتظار صرخة الغد:
    «الصراخ والألم أفضل من غدر الصمت المفاجئ بكثير، لتنطلق صرخة وليد جديد كأنها صرخة جنين أزلي، تراكمت منذ بدء الخليقة، وانطلقت اللحظة؛ كي تتحدى الحرب، صرخةٌ بِكْر تخرج من باب البيت النايلون»ص22.
    وكأن الكاتب أراد أن يقول عبر هذه الأمكنة التي في الواقع أو في الحلم، إنّ في أعماق الإنسان خيرا يتمسك به عبر الليالي الصعبة والأمكنة الموجعة، ونجد المدينة في قصة (مدن البارود) مصابة بالذعر، طريق يحكمه المنع، ولكن الإصرار على المواصلة يقتحم بوابة المدينة رغم كل المخاطر.
    المدينة التي تعيش حالة الفوضى معنى يضرب في أعماق الزمن، هل الماضي أرحم؟ أكثر أمانا؟، الظهيرة والعطش، هو إرث العراق، وإذا برجل ينزع كوفيته يمنحها ضمادة جريح، الحكمة رغم الخراب الذي عمّ الأمكنة، رغم فقدان الإنسان للثقة، هناك ينبض وجدان عراقي لا يموت.
    في هذه المجموعة تجد هذا التنوع المكاني، والتعبير عن تهشيم المكان من أجل ديمومة الحياة، فلسفة عميقة تبقى مع المعلق في ذاكرة القراءة، لكل مكان هوية، الشارع، المدينة، خارجها، دواخلها، الأماكن المغلقة التي لها عوالم جاذبة، الإنسان دائما يبحث عبر المكان والزمان عن ذاته؛ ليريح نفسه. إنّ لغة الأرض فازت بانتمائها قبل جائزة الطيب صالح العالمية.

  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا
    ​​​
    مأجورين ​​

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X