الإمامة لطفٌ من اللهِ تعالى كالنبوّة، وهي استمرار لها وخلافة فيما بعدها؛ ولاتكون الإمامة إلا بالنص من الله جلّ وعلا، فلا اختيار للناس في تعيينها؛ وهي أصل من أصول الدين، إذ لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، وبلا تقليد أعمى.. حيث لابد من معرفة براهينها والتثبّت عليها على بصيرة وعلم وهداية.
أما الامام، فهو مَن اختاره الله عز وجل لعباده دليلاً هادياً للبشر بعد صاحب الرسالة، ومَن كُلّف بهذا لابد أن يكون معصوماً من الذنوب والعيوب، مطّلعاً بأمر الله سبحانه على عوالم الغيوب.
ولنقف هنا على إشارات رائعة للإمامة من خلال نصوص تحدث بها الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع):
- إن الإمامة أجلُّ قَدْراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يَبلُغها الناسُ بعقولهم، او ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم...
- إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء.
- إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (ص)، ومقام أمير المؤمنين (ع)، وميراث الحسن والحسين (ع).
- الإمام يُحلّ حلال الله، ويُحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله، ويدعو الى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجّة البالغة.
- الإمام كالشمس الطالعة المجلِّلة بنورها للعالَم، وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
- الإمام أمين الله في خَلْقه، وحُجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي الى الله، والذّاب عن حُرَمِ الله.
وفي سابقة فريدة، من خلال تاريخ ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) عام 148هـ، والى حين استشهاده عام 203هـ، نجد أنه عاصرَ ستاً من خلفاء بني العباس وهم المنصور، المهدي، الهادي، هارون، الأمين والمأمون... وعلى خلفية الحقد والضغينة التي حملها هؤلاء لآل بيت النبي (ص)، تشيرُ الأحداثُ الى أن الإمام موسى الكاظم (ع) ربما أوصى ولده (ع) بأن ينتظر مادام الطاغية هارون حياً، حتى إذا مات ينطلق الإمام الرضا (ع) بدعوته في الأمصار.. فلماذا ذلك؟
قد يكون السبب هو أن الحياة السياسية للحكام العباسيين كانت مضطربة وقلقة من ناحية العلويين بشكل عام، والأئمة الأطهار بشكل خاص، لعِلم كثير من الناس بأحقيتهم، وإن الحكامَ العباسيين بإسم الائمة كانت دعوتهم، لكنهم اغتصبوا القيادة الاسلامية كما اغتصبها الأمويون من قبلهم، ثم انقلبوا على أهل بيت النبوة واتباعهم.
لذلك كان العباسيون لا يهنأ لهم عيش، ولا ينعم لهم بال، وإمام من تلك العترة الطاهرة حي ينطق بالحق، ويعلِّم الناس أمور دينهم، وينشر علوم القرآن في كلّ الاتجاهات، وتُجبى له الحقوق الشرعية من كل البلدان والأمصار.
في تلك الحقبة البالغة الحساسية لمرورها في فترة انتقالية من حكم الأمويين الى العباسيين، استلم الإمام الرضا (ع) القيادة الدينية للأمة بعد أبيه، وهو عالم بكل التفاصيل ودقائق الأمور، ومداخل المؤامرات ضده وضد اتباعه.. فقال (ع) قاصداً المأمون: (ليجهدنَّ جهده، فلا سبيلَ له عليَّ).