يشهدُ العالمُ قفزات نوعية، وتكنلوجيا رائدة في مجال التربية والتعليم، تساهمُ في خلق الأجواء العلمية والعملية، لتأمين التوصيل الجيد، والمناخ الملائم لنجاح المدرسة في توجهاتها؛ فالكل يعلم أن الطالبَ بالأمس غيره اليوم، فهو مشوّش الذهن، شارد الأفكار، بين جهاز الحاسوب والانترنت، إلى النقال إلى الفضائيات إلى حيث اللانهاية من ألعاب الديجتال... والقائمة تطول ولا طائل منها، غير جني المتاعب الجسدية والنفسية، والتي أودت بالطالب، ومن ثم المنظومة التعليمية برمتها إلى حيث الهاوية...
فضلاً عن تعاضد أسباب أخرى، تتعلق بالمعلم، والكادر القائم على عملية التربية والتعليم، في عدم تحمّل المسؤولية بالشكل السليم، والذي يؤمّن حماية أكبر للطالب، فتارة المعلم وبعد الإنعتاق من تقتير الأنظمة الفاسدة عليه، وعبر عقود مرّت من الحيف، باتَ البعضُ منهم لاهمَّ له سوى اللهاث وراء العلاوة والزيادات في الرواتب، من غير التفكير في أنّ هناك طلاباً بحاجة لمراقبتهم ومتابعتهم في كلّ شاردة وواردة، خاصة فيما يتعلق بتبادل الكلام البذيء والقصص الفاحشة، فضلا عن كونهم يتقاتلون فيما بينهم بلارقيب، حتى باتت الغالبية العظمى من مدارسنا – الإبتدائية منها على وجه الخصوص – مسرحاً للصراعات بأحدث التقنيات الأمريكية، قد تصل أحياناً إلى تدخّل الأهالي وزهق الأرواح!!
الأمر الذي يدعونا للتفكير والمراجعة على الدوام، هو السؤال عن ماهية المعلم، ومواصفاته التي تؤهله لقيادة الجيل الواعد من أبنائنا؟ فهل هو الشخص الحاصل على الشهادة الأكاديمية في الإختصاص في تدريس أحد فروع المناهج التدريسية، أم هو تلك الشخصية الجامعة لشرائط الكفاءة العلمية والإنسانية والإجتماعية، وذات الإطمئنان والتوافق النفسي، والخالي من العقد والترسبات السلبية التي انسابت إلى شخصيته بلا شعور؟
هناك مسؤوليات جسيمة تقع على عاتقِ المدرسة، وأبرزها حماية الطالب من ساعة دخوله وحتى انصرافه إلى البيت، وتلك السلامة المؤمَّنة لاينبغي فصلها أو الاستهانة بها كضرورة من متطلبات الرسالة التعليمية بأجمل صورها؛ لأنها تصبّ في النتيجة في صالح التلقي العلمي المدرك للمناهج، فالطالب إذا أحسَّ بالغبطة والأمان، وأن هناك عيوناً تسهرُ على راحته، سوف يندفعُ لتقديم الأفضل والأحسن، بدلاً من التقاعس والتغيّب، أو التفكير بالإنتقام من هذا وذاك على أسوأ الإحتمالات...
يُضاف إلى ذلك كله مسألة توفير الكتب المدرسية، فهي لاتكفي لجميع الطلبة، فصار الحالُ أن يستلمَ بعضُهم دون الآخرين الذين يضطرون لاستعارتها أو شرائها، مما يُضاف عبء آخر على كاهل ذويهم، خاصة من ذوي محدودي الدخل، ويزدادُ الأمرُ سوءاً، عندما لايجد الطالب من يهتم بأمره، أو يشتري له لوازمه المدرسية، بل إن بعض الأهالي لا يعلمون عن أبنائهم أين وصلوا، وفي أي مرحلة من المراحل هم يدرسون...! فالكثير من السلبيات تدعونا للقلق على واقع التعليم في العراق، والذي لا يتناسب البتة وحجم التطلعات والأمنيات التي نحملها في صدورنا، ونحن نتوق لتمثيل فكر ومنهج أئمتنا عليهم السلام في شتى الميادين، والظهور بملامح مشرقة وضّاءة عن عقيدتنا وانتمائنا، تجعلُ الأممَ والشعوب تستنيرُ بنا، وتهتدي بهدى رسالتنا الإسلامية السمحاء...