الإسلام دين الرحمة بين بني البشر بتعاليمه السمحة والحث على احترام الانسان بما هو إنسان، بل وتعدت حدود الاحترام والرحمة لغير الانسان أيضا، فشملت رحمة الإسلام الكائنات الحية من حيوات ونبات .
فقد قنّنَ الإسلام حقوق الحيوان والنبات قبل منظمة الرفق بالحيوان ومنظمات الحفاظ على البيئة الزراعية بمئات السنين، وطبّقها كسلوك عملي لأفراد الأمة، فعن النبي(ص): «نهى عن قتل كلّ ذي روح إلاّ أن يُؤذي»(١).
فيما يخصّ حقوق الحيوان في الاسلام، فقد كرّم الله الحيوان في القرآن بحيث سُمّيت سور عدة بأسماء الحيوانات: كسورة البقرة، والنحل، والنمل، والعنكبوت، والفيل، وخصّصت سورة للأنعام.
ورد ذكر الحيوان في القرآن في آيات عديدة منها: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ۚ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ» [سورة الأنعام/٣٨].
وأيضا قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ»[سورة النور/٤١].
وفيما يخصّ حقوق الحيوان ورحمته، فقد وردت أحاديث نبوية كثيرة في هذا الشأن منها ما ورد عنه (ص): «إنّ الله يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجف فانزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عنها، وإن كانت مخصبة فانزلوها منازلها»(٢).
وعنه أيضا(ص): «للدابة على صاحبها ست خصال: «يعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضربها إلا على حق، ولا يحملها ما لا تطيق، ولا يكلفها من السير إلا طاقتها، ولا يقف عليها فواقا»(٣).
وعنه(ص): «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة منه يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة»(٤).
أما فيما يخصّ النبات، فقد ورد ذكره في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها: «وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحيَينَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُوْنَ * وَجَعَلْنَا فِيْهَا جَنَّاتٍ مِّنْ نَّخيْلٍ وأَعْنابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيْهِم أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ»[سورة يس/٣٣-٣٦].
وأيضا قوله تعالى: «هوَ الذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوْشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوْشَاتٍ وَالنَّخْلَ والزَّرْعَ مُخْتَلِفاً اكُلُهُ والزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذآ أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»[سورة الانعام/١٤١].
كما ورد في السيرة النبوية أحاديث كثيرة في الحث على الزراعة واصلاح الاراضي والحفاظ على الثروة النباتية منها: ما ورد عن الإمام أبي عبد اللَّه(عليه السلام): «لا تقطعوا الثمار -أي الأشجار المثمرة- فيصبّ الله عليكم العذاب صباً»(٥).
كما ورد أن النبيّ(ص) قال للإمام علي(عليه السلام): «أخرج يا علي فقل عن اللَّه لا عن الرسول: لعن اللَّه من يقطع السدر»(٦).
وبلحاظ ما تقدم، تتبين لنا عظمة الاسلام ورحمته وتربية المسلمين على احترام حقوق جميع الكائنات الحية من انسان وحيوان ونبات، وهو بذلك يربي الانسان على احترام الآخرين، ومن هم أقلّ منه شأنا، كما يهدف الى الحفاظ على الثروات والموارد الطبيعية من حيوان ونبات وتنميتها واحترام قيمة هذا العمل، وانعاش الاقتصاد عن طريق خلق مجتمع منتج وغير استهلاكي، بالإضافة الى هذه المكتسبات المادية، فهناك مكتسبات معنوية: كتعليم الصبر، واتقان العمل من خلال العمل بالزراعة والاهتمام بالنباتات أو الحيوانات، وبهذا يكون احترام حقوق الحيوان والنبات يعود على الفرد والمجتمع بالنفع المادي والمعنوي على حدّ سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) الرفق في المنظور الاسلامي، ص٤٦.
(2) الكافي، ج٢، ص١٢٠، ح١٢.
(3) مستدرك الوسائل، ج٨، ص٢٥٨، ح٩٣٩٣، وص٢٦١، ح٩٤٠٢، وص ٣٠٦، ح٩٥١١.
(4) ميزان الحكمة، ج١، ص٧١٣.
(5) وسائل الشيعة، ج١٩، ص٣٩.
(6) ميزان الحكمة، ج٢، ص١٤١٠.
تعليق