إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(الرؤية الجمالية بين الدين والفن) هاشم الصفار

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (الرؤية الجمالية بين الدين والفن) هاشم الصفار


    مقاربات الدين والفن في خلق عناصر الجمال والإبداع الإنساني:
    إنّ الأديان السماوية جاءت لإحياء القيمة الجمالية للإنسان في نظرته للحياة، وفلسفة إحيائه ووجوده على الأرض. وما ذلك التدبّر والتأمل الذي أودعه الله سبحانه في سرّ الإنسان، في تفكره بعظمة السماوات والأرض وسائر المخلوقات، إلا لتجسيد تلك القيم والمثل العليا الداعية للسمو بالنفس والسلوك والمفاهيم الى مصاف الكمال والجمال في كل شيء.
    بخلاف أن الأدب يشارك الدين في وظيفة من أسمى وظائفه، وهي كونه يسمو بالنفس الإنسانية إلى إنسانيتها الحقيقية(1).
    «فالفن والدين صنوان في أعماق النفس، وقرارة الحس، وإدراك الجمال الفني، دليل استعداد لتلقي التأثير الديني، حين يرتفع الفن إلى هذا المستوى الرفيع، وحين تصفو النفس لتلقي رسالة الجمال»(2).
    الرؤية الجمالية في الأدب الإسلامي:
    إنّ طبيعة الإنسان تنجذب إلى كل ما هو جميل، وقد ورد عن رسول الله (ص): «إنّ الله جميل يحبّ الجمال»، وقد شاءت قدرة المبدع البديع الخالق سبحانه وتعالى أن يجعل من الجمال (...) مناط رضى وسعادة لدى الإنسان»(3).
    فالتذوق الجمالي مائدة منفتحة على كلّ الألوان، فلكلّ فرد على وجه الخليقة ذوقه ورؤيته الجمالية، ومعاييره التي يسير عليها، فصناعة الجمال أو الإحساس به، حقّ مشروع لكلّ إنسان.
    ومن الخطأ أن نعتقد أن للجمال مقاييسه الحسية وحدها، تلك التي تقع عليها العين، أو تسمعها الأذن، أو يشمها الأنف، أو يتذوقها اللسان، أو تتحرك لها لمسات الأطراف العصبية، فالجمال مادة وروح، واحساس وشعور، وعقل ووجدان، فإذا التقى فلاسفة الجمال في بعض الجوانب أو العناصر، فستظلّ هناك في عالم الجمال مناطق يعجز الفكر الفلسفي عن إدراك كنهها، والوصول إلى أبعادها، فليس العقل وحده هو القوة القادرة على استكناه كل أسرار الوجود وما خفي فيه(4)، ولحكمة يقول الله في كتابه العزيز: «...فإنها لا تَعمى الأبصارُ ولكن تَعمى القُلوبُ التي في الصُّدورِ» [الحج: 46].
    إنّ مفاهيم مثل الحق والخير والجمال هي مفاهيم إنسانية بحتة، تمخضت عن تجارب ومواقف وتحديات، وهي نابعة من فطرة إنسانية سينجلي عنها الغبار مهما تكالبت عليها طوارق الحدثان.
    فإنّ كان الأدب الإنساني العالمي حاضنة لتلك القيم والمفاهيم الأخلاقية، فكيف بالأدب الإسلامي القائم أصلًا على التأثر بتلك النهضة داخل النفس والوجدان في الأخذ بحيثيات الجمال الكوني سلوكًا وعبادة وعقيدة.
    ولم تنحصر قيمة الجمال وفق التصور الإسلامي في أطر الإمتاع المجرد عن كلّ غاية سامية، فالجمال ذاتي محض يتناغم مع الدين الإسلامي بكل فروعه وتعاليمه، فالصلاة –على سبيل المثال- محور جمالي في رقي الإنسان، وسفره في حال الصلاة إلى الملكوت الأعلى، وذلك الانصهار والمناجاة مع الرب (جل وعلا). وهكذا في كل أفعالنا وسلوكياتنا الإسلامية هي جمال، فضلًا على التمثل بأجناس أدبية، وخوض غمار الأدب بكل تجليه وحيثياته.
    وقد احتدم الصراع الفكري بين دعاة الفن للفن، وانه ينبغي أن يكون مفرّغًا من كل محتوى قيمي أو نفعي، فغايته الجمال لا غير، وبين من يرى أن الفنّ ما هو إلا وجه إنساني لا ينفصل عن السعي الإنساني على مرّ التاريخ في مناهضة الشر، وإشاعة قيم الخير والحق والجمال.
    أما الإسلام فهو ينظر للفن على أنه وسيلة للتعبير عن رؤى إسلامية سامية، وفق منحى جمالي أخّاذ، تميل إليه النفوس، وهي في نفس الوقت تتشرب المعايير الأخلاقية والدينية والفلسفية.
    فالإسلام يعلي القيم الجمالية، ويعلي من شأنها، ويحيطها بسياج من العفة والنقاء والطهر، ويفتح الباب واسعاً أمام الإبداعات الفنية والأدبية الخلاقة، ويزيد (الكلمة الجميلة) شرفاً حينما يكلفها بأعظم رسالة، وأسمى مهمة، وارقى دعوة نزل بها الروح الأمين(5).
    الأدب الإسلامي بين الجمالية والتأثيرية:
    إنّ خلق أدب متوازن بين الجمالية والتأثيرية لا يلغي كونه أدبًا وفق مناهج النقد الحديثة المؤمنة بقيمته الفنية، بعيدًا عن المؤلف وخلفيات النص الأخرى، بل هو يسير باتجاهين غير متعارضين، ويكمل أحدهما الآخر، عبر تناول الأمور الحياتية، وقضايا واهتمامات الإنسان، ومعالجة صراعاته مع الذات وأسرار الطبيعة، كل ذلك يمكن أن يكون وفق أساليب وجدانية تحتل فيها المشاعر مكانًا رائدًا يصبّ في محور الفنية، ويشكل قطب الرحى لنجاح العمل الفني وتألقه.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) سيد قطب، النقد الأدبي: أصوله ومناهجه، ص192.
    (2) سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، ص143، 144.
    (3) ينظر: د. نجيب الكيلاني، مدخل الى الأدب الاسلامي، ص87-98.​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X