الدرويش كلمة فارسية تعني المتسوّل أو الشحّات، وعند الصوفية تعني الزاهد. يعيش الدراويش حياة تقشف، وفي كتاب (معجم المصطلحات والألقاب التاريخية) لمصطفى الخطيب يقول: إن مصطلح الدراويش دخل العربية منذ بوابة العصر الإسلامي، ليطلق على الزهاد. تطور معناه حينما اتصل بأرباب التصوف، وأصبح الدراويش طبقة معروفة لهم تكايا يقيمون فيها. وفي كتاب (كربلاء في الذاكرة) لمؤرخ كربلاء الأستاذ سلمان هادي آل طعمة خصص فصلا عن الدراويش.
أسست الفرق الصوفية وخاصة المولوية والبكتاشية تكايا وخانقاه يسكنها المنتسبون للطائفة في زياراتهم المتعددة لمراقد الأولياء الصالحين والتبرك بالضريح الطاهر، وأطلق عليهم اسم (الدراويش)، وكانوا على صلة عميقة بمدينة كربلاء، يجتمعون في العشرة الأولى من كل عام، ومن هؤلاء المتصوفة الزاهدين (عبد المؤمن دده البكتاشي) أول درويش سكن كربلاء واتخذها مقرا، وأسس مقاما يلجأ اليه الدراويش، ولهم جناح مشيد داخل الصحن الحسيني على يمين الداخل من باب القبلة، اتخذه السادة آل الدده ديوانا لهم، وهو تكية البكتاشية التي عُفّي أثرها اليوم.
ومن متصوفة كربلاء (فضول البغدادي) شاعر تركي الأصل بغدادي النشأة توفى سنة (962 هـ) ويقع قبره في شارع الحائر باب القبلة، وكانت له تكية عامرة داخل الصحن وعاصره الشعراء: روحي البغدادي، ومحيطي وكلامي المعروف (جهان دده)، كان لهم مقر في الصحن الحسيني، ومقر آخر في صحن العباس (عليه السلام) يتخذون الايوان الكبير محلا لإقامة مآتم الحسين (عليه السلام) يكسونه بالسواد ويرفعون الاعلام واللافتات الحسينية والكتائب المحلاة بالآيات القرآنية، ويزيّنون مقرهم بشعائر محرم فيعلقون القناديل والكشاكيل والفؤوس وجلود الحيوانات وعظامها ويوزعون الشاي، وأمام الإيوان أحواض الماء، ويقيمون مجلس العزاء الحسيني مساء. يترأس الدراويش في صحن الحسين (الحاج مظهر) وهو سيد جليل وقور يقصد زيارته وجهاء المدينة وأشرافها لمكانته العلمية ومنزلته الدينية.
بينما يترأس دراويش صحن العباس (عليه السلام) الشيخ (بروانة) وهم يسيرون بنفس النهج. واستشهد مؤرخ كربلاء السيد سلمان هادي آل طعمة بالسيد إبراهيم شمس الدين القزويني.
إن الدراويش ليلة العاشر يتحلقون في فضاء الصحن امام تكيتهم ويرددون (ناديا عليا عليا يا علي) ثم يبدؤون بإقامة الذكر وأول ما يدلون به ذكر الله سبحانه وتعالى (الله الله الله علي علي علي) بينما تصعد حماتسهم ويعلو صوتهم ويرتفع نداؤهم (عليا عليا) ويبدأ كل فرد بضرب رأسه بالأرض بقوة حتى يفقد الشعور ويسيطر عليه الاغماء.
وفي اليوم العاشر بعد ركضة عاشوراء يخرج كل منهما عزاء بعد ركضة عزاء طويريج يحملون الاعلام والأبواق المصنوعة من قرون الحيوانات وينفخون بها وبعضهم يحمل الكشكول يضعون فيه الماء ليسقوا بقية العطاشى؛ تيمنا بذكرى عطش الحسين.
يحملون المشعل الذي يوضع فيه التبن وقليل من النفط وتبدأ المسيرة كل من موقعه الدراويش من صحن الحسين يذهبون الى صحن العباس ثم يذهبون الى المخيم ويرجعون الى مقرهم.
كذلك الحال لدراويش العباس المقيمين في كربلاء يحتفلون بإقامة الذكر في بيت الرئيس القطب (حاج ابهارعلي شاه) الكائن في محلة العباسية الغربية في زقاق (أبو الحصران).
وتقام حفلة ثانية في دار الرئيس المرشد بروانة من محلة العباسية الشرقية وفي ليالي الأربعاء يجتمعون في مسجد الادبيلية (السبطين) حول قبر حسين علي شاه احد اقطاب الصوفية.
ومن بين أولئك الدراويش الذين لفتوا النظر درويش علي يتجول في الأسواق مادحا الامام عليا شعرا، وكان يحرم ليلة عيد الأضحى، ويسعى بين الحرمين كما يسعى الحجيج بين الصفا والمروة طلبا للأجر والثواب.