بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
قد ذكر المؤرخون في عداد من تخلف عن بيعة أبي بكر في بيت فاطمة مع علي(عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) والزبير كلا من العباس بن عبد المطلب وعتبة بن أبي لهب وسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود والبراء بن عازب وأبي بن كعب .
وَ رَوَى اِبْنُ عَبْدِ رَبِّهِ وَ هُوَ رَجُلٌ مُعْتَزِلِيٌّ مِنْ أَعْيَانِ اَلْمُخَالِفِينَ وَ مِمَّنْ لاَ يُتَّهَمُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ قَالَ فِي اَلْجُزْءِ اَلرَّابِعِ فِي كِتَابِ اَلْعِقْدِ اَلْفَرِيدِ عِنْدَ ذِكْرِ أَسْمَاءِ جَمَاعَةٍ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَا هَذَا لَفْظُهُ: وَ أَمَّا عَلِيٌّ وَ اَلْعَبَّاسُ وَ اَلزُّبَيْرُ فَقَعَدُوا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ حَتَّى بَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ بْنَ اَلْخَطَّابِ لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ بَيْتِ فَاطِمَةَ وَ قَالَ لَهُ إِنْ أَبَوْا فَقَاتِلْهُمْ فَأَقْبَلَ بِقَبَسٍ مِنْ نَارٍ عَلَى أَنْ يُضْرِمَ عَلَيْهِمُ اَلدَّارَ فَلَقِيَتْهُ فَاطِمَةُ فَقَالَتْ: ( يَا اِبْنَ اَلْخَطَّابِ أَ جِئْتَ لِتُحْرِقَ دَارَنَا قَالَ نَعَمْ أَوْ تَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَتْ فِيهِ اَلْأُمَّةُ ) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ج1 ، ص239.
روى الطبري قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: «والله لأُحرِّقنَّ عليكم أو لتخرجن إلى البيعة» . تاريخ الطبري، ج 3،ص 202.
وقد ذكر أصحاب الحديث عن الزهري: «ان عليا (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وبني هاشم بقوا ستة أشهر لم يبايعوا حتى ماتت فاطمة» . صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر، ج3،ص 38.
وقوله (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ ). نهج البلاغة ، ص 68 رقم الخطبة : 26.
وقوله (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( لو وجدت أربعين ذوي عزم !). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 2 ،ص 47.
ومن كتاب معاوية المشهور إلى عليّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): « واَعْهَدُك أمس، تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين،
يوم بويع أبو بكر الصديق، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك،
وأدليت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول الله، فلم يُجبك منهم إلا أربعة أو خمسة .
ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان، لما حرّكك وهيّجك: ” لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ..
فما يوم المسلمين منك بواحد، ولا بغيك على الخلفاء بطريف ولا مستبدع ». شرح نهج البلاغة لإبن أبي حديد، ج 2، ص 47.
فجلَس عمرُ على المنبرِ.... ثمَّ قال: (.........وليس منكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مِثلُ أبي بكرٍ......)، صحيح البخاري ، ج 8، ص 26 باب رجم الحبلى من الزنا.
ومن الواضح أنَّ هذا الوصف لا ينطبق على أبي بكر إذ لم تكن له قرابة خاصة من النبي أو سابقة جهادية مميزة أو نص يؤهله لذلك بخلاف علي (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) حيث جمع ذلك كله .
وَقَالَ عمرُ: (وَلَا نعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ) .
وفي رواية احمد بن حنبل عن مالك بن انس: (وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ) وفي رواية ابن اسحق (قد عرفتم ان هذا الحي من قريش بمنزلة من العرب ليس بها غيرهم وان العرب لا تجتمع إلا على رجل منهم...)
ونستفيد من هذا الكلام أمرين هما :
الأول: ان الامر المتنازع عليه في السقيفة ليس هو مجرد السلطة الإجرائية بل هو سلطة اجرائية مقرونة بسلطة دينية وذلك لان العرب لم يكونوا في الجاهلية يخضعون لقريش إجرائيا بل كانوا يخضعون لها دينيا حيث يدينون بكل امر تضعه قريش في امر الدين وبخاصة الحج وهو امر مذكور في كل كتب السيرة (( قال ابن إسحاق: «وكانت قريش ابتدعت امر الحُمْس جمع احمس وهو المتصلب في الدين وسميت قريش حُمْسا لزعمهم بأنهم المتشددون في الدين) ثم ابتدعوا في ذلك امورا لم تكن لهم منها انهم حرموا على اهل الحل (وهم العرب الساكنون خارج مكة) ان يأكلوا من طعام جاؤا به معهم من الحل الى الحرم اذا جاؤا حجاجا او عمارا ولا يطوفوا بالبيت اذا قدموا اول طوافهم الا في ثياب الحمس (اي في ثياب احد القرشيين) فان لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة فان تكرم من متكرم من رجل او إمرأة ولم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل القاها اذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا احد غيره ابدا فكانت العرب تسمي تلك الثياب اللقى. قال ابن اسحاق فحملوا على ذلك العرب فدانت به... فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدا (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فوضع الله تعالى امر الحمس وما كانت قريش ابتدعت منه اي هدم الله قيمته» السيرة النبوية لابن هشام ، ج 1 ، ص 201 ـ 203))، وفي ضوء هذه السلطة تجرأ عمر في حكومته على تحريم متعة الحج وقبول الناس ذلك منهم
الثاني: ان المهاجرين الأربعة في السقيفة انما غلبوا الأنصار الحاضرين بأساس جاهلي كان الإسلام قد أَماته، وهذا الأساس هو الامتياز الديني لقريش وقد نزعه الاسلام عن قريش وكرسه لمحمد (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) واهل بيته (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)
وامام شعار عمر ورفع الراية القرشية انكسر سعد بن عبادة في هذا الاجتماع المدبر من الحزب القرشي بإعلان اسيد بن حضير (ترجمة اسيد بن حضير وفيه انه اسلم على يد مصعب بن عمير في العقبة الأولى وان أبا بكر في خلافته كان يكرمه ولا يقدم عليه أحدا وتوفي سنة 20 للهجرة ، وحمل عمر عنه السرير حتى وضعه بالبقيع انظر تفصيل موقف بشير بن سعد واسيد بن حضير في تاريخ الطبري، ج 3 ،ص 221) رئيس الاوس وبشير بن سعد احد وجوه الخزرج (وقد قيل انه أول من بايع أبا بكر من الأنصار كان قد شهد العقبة الثانية وبدرا والمشاهد كلها قتل يوم عين التمر مع خالد سنة 12 هجـ.) ميلهما إلى الحزب القرشي ومن ثم بيعتهما ومن معهما من أتباعهما أبا بكر .
قال عمرُ: (كان واللهِ لَأنْ أُقدَّمَ فتُضرَبَ عنقي في أمرٍ لا يُقرِّبُني ذلك إلى إثمٍ أحَبَّ إليَّ مِن أنْ أُؤمَّرَ على قومٍ فيهم أبو بكرٍ) صحيح البخاري كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت حديث رقم 6473.
وقد قال قبل ذلك (وليس منكم اليومَ مَن تُقطَعُ إليه الأعناقُ مِثلُ أبي بكرٍ) .
وَ لست ادري هل هاتان الكلمتان من عمر كانتا على سبيل الجد أم شأنه فيهما شأنه في كلمته لما توفي النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وكشف هو والمغيرة بن شعبة الثوب عن وجه النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فقال: واغشياه ما اشد غشي رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، ثم اخذ يهدد بالقتل من قال ان رسول الله قد مات، واخذ يقول ان رجالا من المنافقين يزعمون ان رسول الله توفي، وان رسول الله ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد ان قيل مات، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون ان رسول الله مات، (من قال انه مات علوت رأسه بسيفي هذا، وإنما ارتفع إلى السماء) تاريخ اليعقوبي ،ج2،ص 95.
قال ابن أبي الحديد «ان عمر لما علم ان رسول الله قد مات خاف من وقوع فتنة في الإمامة وتغلب أقوام عليها، أما من الأنصار أو من غيرهم، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس، فاظهر ما أظهره، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم، حراسة للدين والدولة، إلى ان جاء أبو بكر» شرح نهج البلاغة ، لأبن أبي حديد،ج2،ص 43.
وفي ما أوردناه من رواية البخاري وشرحها كفاية في توضيح حال السقيفة وإنها كانت بيعة خاصة لأبي بكر متوجة بالإعتداء على مقام سيدة نساء العالمين(عَلَيْهِا اَلسَّلاَمُ) في أجواء العصبية القبلية وليست مجرد ترشيح له ثم أردفت ببيعة عامة اقترنت بالتهديد وقوة السلاح .
تعليق