تويت
اعتاد الإنسان أن ينظر إلى الحياة وجوانبها المختلفة من خلال منظوره الذي يحدد مجال تفكيره، وأنه قد يتعجب أو ينكرمن لا يوافق تفكيره الخاص وهذا ما يسمى (بالتيار الثابت) أي أنه يسري بإتجاه واحد محدود بإطار فكري معين.
وهذا يدل على أنه رؤيته للمنظور العام مؤلفة جزئها الأكبر من العادات والمفترضات والمألوفات التي يوحي بها المجتمع إليه ويغرسها في أعماق عقله الباطن، ويصبح ومتأثرًا بها باللاوعي والشعور في حين يعتقد أنه حر في تفكيره، ولايدرك أن نظرته مقيدة ومحدودة وهنا تكمن المشكلة ويدق الناقوس الخطر على المجتمع . فهو لا يدرك ما ورثه من المحيط من افكار وآراء وفرضيات تؤثر على رؤيته وإطاره الفكري وخضوعه لعدة قيود منها النفسية، والاجتماعية، الحضارية، والاقتصادية الموضوعة على عقل الإنسان . وهذا ما يتسم به المتعلمين وليس غير المتعلمين فالفرق بالدرجة لا بالنوع.
فالمتعلم هو من تعلم أمورًا لم تخرج عن نطاقه الفكري الذي نشأ عليه أو اعتاده منذ الصغر، ولم يزدد من علمه الإتعصبًا وضيقًا في مجاله رؤيته ، فهو يؤمن برأي أو فكرة أو نظرية معينة فقط لأنها تؤيد منظوره الخاص، ويأخذ جاهدًا لسعي وراء أي معلومة لتحقيق ذلك الرأي أو أي شيء يوافقه وقد تصل حتى إلى التحريض والكفاح والمشقة لأجلها.
وهنا ينبغي التميز بين المتعلم والمثقف ووضع حد فاصل أو نقطة أو علامة تنصيص لعدم الخلط بين هذين المصطلحين المتشابهين لتجنب الكوارث الذي يقع بها المجتمع وسلامة من وهم الثقافة أو سرابها.
من هو المثقف الحقيقي؟
فالمثقف يمتاز بالمرونة وسلاسة في رأيه والقابلية على تقبل الأفكار و الآراء الجديدة المطابقة له والمخالفة بتأمل فيها ولتملي وجه الصواب منها.
بينما المتعلم لا يكاد يرى أحداً يخالفه الرأي حتى يشتد تعصبًا ويتحفز للاعتداء عليه ويعده سيئًا و منتهك لحقوقه وحريته، ويعتقد بأنه يجاهد من أجل توضيح الحقيقة والرأي السليم الصحيح، بينما هو غارق في المجالات المغلقة والعقيمة التي لا تنتج فكرة أو رأي مثمر.
إذا كيف نقيس ثقافة الآخرين ؟
ان مقياس الثقافة الذي يمكن قياس ثقافة شخص ما هو ما مدى تحمله من آراء غيره المخالفه لرأيه، للتحقيق في صحتها ومعيارها، لأنه معيار الذي يزن فيه غير ثابت ومتجدد من وقت لآخر ولذلك قد تراه مقتنعًا بالرأي ما في وقت معين في حين تضعف قناعته بعد مدة بذلك الرأي، لأنه صاحب عقلية متفتحة و متزنه ومتجددة فضلاً عن رؤيته الواضحة.
ومن خلال مقياس الثقافة نلاحظ أن المتعلمين كثيرون والمثقفين قليلين، وأن والتعليم يمنح الشهادة لا الثقافة. وأننا نفتقر إلى الوعي والإدراك والمعرفة والمفاهيم الصحيحة والأسس السليمة التي يبنى عليها الفرد الواحد وبالتالي إلى مجموعة من الافراد كالمجتمع.
وأخيراً ليس العجيب ان يختلف الناس في آرائهم وأذواقهم، ولكن العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف، فأختلاف بالرأي لا يفسد في قضية.