علي عبد الجواد
بعد دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) رسولَ الله (صلى الله عليه وآله)، وما جرى من الأحداث من خيانة الأمة لرسولها الكريم (صلى الله عليه وآله) ورفض وصيته بتنصيب وصيه مما أدى إلى تنحيته عن حقه.
كانت نتيجتها أن تذهب ضحية هذه المؤامرة السيدة الزهراء (عليها السلام) شهيدة مظلومة.
وحينما انتهى أمير المؤمنين (عليه السلام) من مواراة السيدة الزهراء (عليها السلام) في مثواها الأخير عبّر عن مظلوميتها (عليها السلام) بكلام تتزلزل له الجبال، يشكو همّه ويبثّه إلى مولاه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، مديراً وجهه نحو قبره الشريف وعيناه جاريتان وقلبه مليء بالأحزان والآلام، قائلاً:
«السلام عليك يا رسول الله، عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك، والبائنة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك»..
إلى أن قال (عليه السلام): «وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتُك بتضافر أُمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليلٍ معتلجٍ بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين».
ثم قال (عليه السلام): «واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث عندك لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تُدفَن ابنتُك سرّاً، ويُهضَم حقّها قهراً، ويُمنَع إرثها جهراً، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أجمل العزاء، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان» (الكافي: ج١/ص٤٥٨/ح٣).
ثمّ قال (عليه السلام): «اللهمَّ إني راضٍ عن ابنة نبيّك، اللّهمَّ إنّها قد أُوحشت فآنسها، اللّهمَّ إنّها قد هُجرت فصِلها، اللّهمَّ إنّها قد ظُلمت فاحكم لها، وأنت خير الحاكمين» (الخصال: ص٥٨٨).
وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في (شرح نهج البلاغة: ج١٠/ص٢٨٨) أن الإمام (عليه السلام) قام على شفير القبر، فقال:
لكلِّ اجتماعٍ من خليلينِ فُرقةٌ وكلّ الذي دون الفراقِ قليلُ
وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ.
إن ما يبكي القلب ويدميه قبل العيون إن مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولما له من الشجاعة ورباطة الجأش ما لم يتّصف به أحد وبشهادة الموالي والمخالف، نجده يبكي بألم وحرقة لما حلّ بالسيدة الزهراء (عليها السلام)، وتستحق مولاتنا الزهراء (عليها السلام) ذلك، ولكن أن يبثّ همّه بهذه الكيفية فهو في الحقيقة يريد أن يوصل رسالة لا تقتصر على ذلك الزمان فقط وإنما تطوي العصور إلى حين الظهور، لجلل المصاب وعظمه، والمصيبة العظمى أنها قد أتت من قوم يدّعون الإسلام وأن أبا الزهراء (صلى الله عليه وآله) نبيّهم!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات نشرة الخميس العدد 894
تعليق